منذ ما يزيد على عقدين من الزمن والانتفاضات في الجغرافية الإيرانية تتوالى، وتعبر عن حالة الرفض لسياسات دولة الملالي، التي تحكم إيران منذ أكثر من خمسين عاماً، ونتيجة حالة القمع المستمر للناس في كل الساحات الإيرانية، فإنه يتم محاصرة هذه الانتفاضات، وكبت حركتها، وزج ناشطيها في السجون والمعتقلات، وصولًا إلى اتهامها بالتآمر الخارجي وتبعيتها لما يسمونه (الشيطان الأكبر/الولايات المتحدة الأميركية).
لكن أصل المشكلة لم ينته، ولم يكن هناك من حلول جدية من قبل أهل الحكم في طهران، رغم تغير الرؤساء وتعددهم، حيث مازالت الدولة التي تحكم هي دولة المرشد التي تمسك بالحرس الثوري كأداة قمعية كبرى، ولا تلوي على شيء من قتل واعتقال وكم للأفواه، فالمهم هو بقاؤها في السلطة، حتى لو كان على حساب كل المواطنين، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المتهالكة نتيجة سياسات الفساد والإفساد المتتابعة، التي أضحت نهجًا في حكومات طهران المتلاحقة، من منطلق أن كل شيء مباح في سبيل بقاء دولة الملالي(الإسلامية) ومنع كل أطياف المعارضة من إمكانية التعبير عن نفسها، سواء كانت من قوميات أخرى، وهي كثيرة في إيران (عرب، كورد، بلوش، أذريين..) بطوائفهم المخالفة في بعض الأحيان للطائفة الحاكمة، أو حتى لو كانت من نفس القومية الأكثر عددا والممسكة بدفة الحكم، وأعني الفرس.
هذا النوع من السياسات الطائفية الفارسية القمعية الخاطفة للوطن، والمتغولة على كل مفاصل الدولة في إيران، هو ما جعل إمكانية الانتفاض والثورة قائمة ومتوفرة في كل لحظة وكل حين، بل هي تعتمل في النفوس دائمًا، وبمجرد قدح أي شرارة فإنها تنطلق معلنة عن حالة الغليان الشعبي الكبيرة ضد سلطات الأمن والمخابرات لدولة الملالي، وهو ما جرى مؤخرًا عبر قمع الحريات الذي تمثل باعتقال امرأة كردية (مهسا أميني) ومن ثم قتلها في المعتقل، ليخرج الناس في كل محافظات إيران ومن كل القوميات، منتفضين في مواجة الإباحية المفرطة في التعامل مع الاعتقال والمعتقلين، حتى يصل إلى القتل، ليس ضد المرأة فحسب، بل ضد كل من تسول له نفسه الخروج على تعليمات المرشد، ومواجهة قراراته القامعة للحريات، والتي تعبر عن حالة ضبط أمنية غاية في العسف والقمع للحريات وكم الأفواه.
ما جرى لهذه المرأة /الشهيدة، دفع الشباب في كل الجغرافيا الإيرانية للخروج رافضين هذه السياسات ومؤكدين أن الحرية تؤخذ ولا تعطى، وأنه قد آن الأوان لمحاسبة دولة الملالي القمعية، وإعادة بناء الأوضاع على أسس جديدة، تستند إلى حرية البشر في ممارسة ما يريدون، ضمن قوننة وسيادة قانون تحترم آراء الناس، وتقيم دولة المواطنة. وتشهد إيران هذه الأيام تمدادًا وتوسعًا لحركة المظاهرات المنتفضة والتي تأتي ضد سياسات تشهدها إيران منذ سنوات طويلة، وتشير إلى تصميم شعبي على المواصلة رغم حالة القمع الكبرى التي واجهت وتواجه بها قوات الحرس الثوري جماهير المنتفضين، حتى جاوز عديد شهداء الانتفاضة 40 شخصًا حسب إحصاءات رسمية مشكوك بصحتها، حيث تشير أرقام المعارضة إلى ما يزيد على 200 شهيد، بالإضافة إلى اعتقالات طالت كثيرا من الناشطين، تجاوزت 1500 معتقل حتى الآن.
هذه الانتفاضة الكبرى في إيران زلزلت حكم المرشد الطاغوتي، وهي تنبئ فيما لو استمرت صعودًا، في أن تتحول إلى ثورة شعبية عارمة، يمنكها أن تقتلع جذور دولة الملالي وتلقيها في البحر، وهي حالة متوقعة ومفترضة فيما لو تم تدارك أخطاء الانتفاضات الكثيرة التي سبقتها في جغرافية إيران، ويمكن أن نقف مع بعض معوقات الوصول إلى ثورة شعبية كبرى وعارمة تشمل كل قوميات إيران نذكر منها:
- كانت وما زالت أمراض تشظي وتذرر قوى المعارضة والتنظيمات السياسية المناهضة لدولة الملالي موجودة باختلاف غاياتها وأهدافها، من الدعوة إلى الاستقلال القومي الكلي عن طهران، إلى العمل على مجرد إصلاحات شكلانية، لا تسهم في تغيير بنية النظام وقلع جذوره، وهذه الحالة تمنع توحيد الصفوف والجهود، كي تتمكن الانتفاضة من أن تتحول إلى ثورة كبرى تشمل كل الساحات وكل القوميات في جغرافية إيران.
- قدرة نظام الملالي على حصر الانتفاضات السابقة ضمن جغرافيا قومية محددة، ومنعها من التمدد إلى قوميات أخرى، وعجز القوى والأحزاب عن تخطي هذه العقبات، نتيجة الخلافات الكبيرة بين مكونات إيران السياسية والطائفية والقومية وتعدد الأثنيات وتحاجزها، الذي لم تتمكن من الخروج منه أو عليه.
- عدم إيلاء دول المنطقة (من المحيط العربي) الاهتمام الكافي بهذه الانتفاضات، رغم إحساس الجميع بالخطر المحدق بها جميعًا، من استطالات وتمدد إيران /الملالي في المنطقة، وخاصة دول الخليج العربي التي تشكل دولة الملالي الخطر الأكبر عليها، بعد سوريا والعراق واليمن ولبنان، ومن ثم فإن الدعم المتواضع والمتردد لدول الخليج لجل القوى المنتفضة في إيران، يجعلها غير قادرة على قلع النظام الإيراني، ضمن إمكانيات تنظيمية ومالية غاية في الصعوبة لدى القوى السياسية المعارضة في إيران.
- ضبابية الموقف الأميركي والغربي عمومًا من مجمل هذه الانتفاضات، وحيرتها من أن تدعم بشكل جدي الإيرانيين المنتفضين، أو تبقى على تواصل مصلحي نفعي مع حكم الملالي، ليبقى فزاعة ضرورية في المنطقة، من الممكن أن يعود ذلك ماليًا بفوائد جمة على الخزينة الأميركية والدول الأوروبية، خاصة مع حرص الغرب على إعادة إنتاج الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما سيسهم في تقويتها اقتصاديًا، ويخرجها من برزخ العقوبات والأوضاع الاقتصادية المتهالكة.
- التجييش الطائفي الكبير الذي تمارسه كبرى شخصيات دولة الملالي، داخل الشارع الإيراني، في محاولة منها لتخويف الشيعة في إيران، من الطوائف الأخرى، عندما تحاول وسم الانتفاضات التي تجري بالانتماء إلى طائفة سنية مثلًا، ومن أن هذا قد يؤدي إلى إنهاء حالة الوجود القوي والمتحكم بكل شيء من قبل الطائف الشيعية ومركزها الديني الكبير في قم.
- كذلك إخافة الإيرانيين من قبل المتحكمين بدفة الحكم، من تفتت إيران بشكل نهائي، وقتل الحلم الفارسي الإمبراطوري المتمدد إلى الجوار، عندما توهم الفرس في إيران أن باقي القوميات من عرب وكورد وبلوش وأذريين وسواهم سوف يعملون على تقسيم إيران، وإقامة دولهم (الوطنية القومية) وهذا ماسيؤدي إلى تقسيم إيران شاقوليًا.
وبالرغم من كل هذه المعوقات التي تحاول دولة الملالي استثمارها والاشتغال عليها، فإنه ما يزال أمام حركة انتفاضة شعوب إيران اليوم التي تكبر كبقعة الزيت، وكرة الثلج، الكثير لتفعله، وعلى قيادات الأحزاب والجبهات والقوى الكثيرة في جغرافية إيران أن تتعلم الدروس من الانتفاضات السابقة التي تمكنت دولة الملالي من قمعها في ما سبق، وليس ذلك من المستحيل أمام تدفق الجموع الكبيرة إلى الساحات، التي يبدو أنها قد وعت التجارب السابقة وتعلمت كيف تواجه القمع والاعتقال، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تقويض أركان النظام في طهران، وينتج حالات إيجابية ليس في جغرافية إيران ولدى الشعب الإيراني فحسب بل في كل دول وشعوب المنطقة العربية، التي تعاني من تمدد إيران/ الملالي الخطر الأكبر على الجميع، والذي بات يهدد كل دول المنطقة بالمزيد من الهيمنة الإيرانية على الأوطان ويهدد وجودها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا