ليست اللغة مجرد وسيلة للتخاطب والتواصل وتبادل المعلومات بين البشر، إنها وعاء الحضارة الذي تمتزج فيه باقي مكوناتها لتنتج الشخصية الحضارية المميزة لأمة عن سواها بملامحها الثقافية والاجتماعية والسلوكية والنفسية .
اللغة مكون أساسي من مكونات الهوية. اللغة هي وسيلتنا للتعرف على الماضي والاستفادة من دروسه والارتباط به حضاريًا ( دون انفصال عن الواقع ) لضمان الاستمرار كأمة. وهي وسيلتنا للحفاظ على ملامحنا وضمان استقلالنا في الحاضر. وهي أداتنا لسبر العلوم وضمان تراكمها بما يكفي لتمهيد الطريق أمام المستقبل .
إن ضياع اللغة لدى جيل ما، هو خطوة كبيرة باتجاه تفكك المجتمع وفقدان الهوية وغياب الملامح المميزة الحضارية لهذا الجيل، وهذه واحدة من أهم التحديات التي تواجه اللاجئين في دول لا تتكلم العربية .
يشكل الإسلام العمق الحضاري والقوة الكامنة والطاقة المحفزة للأمة العربية، ويشكل القرآن الكريم الركيزة الأهم والمصدر الأنقى لتعاليم الإسلام، ويعد إتقان اللغة العربية المدخل الأهم لفهم القرآن الكريم ومعرفة أسراره والتحليق في فضاء معانيه. لذلك فإن ضعف اللغة العربية وصعوبة استخدامها يعني صعوبة قراءة وفهم القرآن الكريم والإنتاج الفكري والثقافي الضخم العربي والإسلامي، وبالتالي حدوث قطيعة مع العمق الحضاري والثقافي للأمة. من أجل ذلك كان التركيز على تعليم اللغة العربية للمهاجرين يشكل في عمقه مسألة انتماء. وإن الأزمة الحقيقية ستظهر جلية وضخمة في الجيل الثاني والثالث من المهاجرين، حيث تؤدي حالة القطيعة مع التاريخ والحضارة إلى نوع من الصراع النفسي الداخلي والخواء القيمي قد تنتهي بتفكك الأسرة وتبدل القيم وذوبان الجيل القادم في مجتمع لا يشبهه ولا ينسجم مع أخلاقه وعاداته التي استلهمها من الجيل الأول، الأمر الذي قد يقوده سريعًا إلى وديان القلق والضياع والأمراض النفسية.
ولكن هل من حلول عملية لتدارك هذا الخلل الكبير في بلاد المهجر ؟؟!!
يبدأ الحل بنشر الوعي في أوساط المهاجرين حول أهمية تعلم اللغة العربية وخطورة ابتعاد الأبناء عنها وإهمالهم لها. لأن الوعي بالمشكلة هو المحفز الأهم للتحرك نحو إيجاد حلول عملية لها. وأهم الحلول المقترحة لتدارك هذه المشكلة هي :
1 – اهتمام الأهل الشخصي بمسألة تعليم اللغة العربية في المنزل عبر برنامج واضح ومجدول بالتوازي مع زرع الوعي بأهمية ذلك في عقول الأبناء.
2 – ربط الأبناء بمعهد عربي أو مدرسة أهلية عربية بهدف تعلم اللغة، ومحاولة تأسيس مثل هذه المعاهد بجهد فردي أو جماعي في حال عدم توفرها.
3 – ربط الأبناء ببرنامج تعليم القرآن الكريم في المساجد أو المعاهد الإسلامية المتاحة، ومحاولة تأسيس هذه المعاهد بجهد فردي أو جماعي في حال عدم توفرها.
4 – الإفادة من الدورات عن بعد والمتوافرة بكثرة على وسائل التواصل بهدف تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم.
مع تزايد عدد اللاجئين بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية البائسة وغير المستقرة في عالمنا العربي فإن التنبه لمسألة الحفاظ على اللغة كمكون أساسي من مكونات الهوية الحضارية لهذه الأمة بات أمرًا غاية في الأهمية. وعلى كل من الأفراد والمؤسسات تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والحضارية تجاه هذه القضية. لأن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل. إنها مسألة انتماء.
المصدر: اشراق