ليست زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى السعودية في منتصف شهر يوليو/ تموز الحالي، عادية، لأسباب كثيرة، منها التوتر القائم بسبب اتهام واشنطن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باغتيال الكاتب السعودي، جمال خاشقجي. وبناء على عدة مؤشّرات، ستكون فرصةً لمراجعة الشراكة المديدة، التي تعود إلى أكثر من سبعة عقود، ارتبطت خلالها الرياض وواشنطن بعلاقات وثيقة سياسية، اقتصادية، وعسكرية. ورغم أنهما لم توقّعا اتفاقية تحالف، كانت لهما المواقف نفسها تجاه القضايا الإقليمية والدولية، ولم يسبق أن حصل بينهما تباين وخلافات عميقة، قبل أن يصل باراك أوباما إلى الرئاسة عام 2009. وعلى الرغم من أن “11 سبتمبر” أحدثت صدمة كبيرة على المستوى الأميركي، إلا أن البلدين تمكّنا من امتصاص تداعيات ذلك الحدث.
مرّت العلاقات الثنائية خلال ولايتي أوباما بفتور، ووجّهت أوساط في صلب الإدارة انتقادات صريحة لسجل السعودية في مجال حقوق الإنسان. وخلافا لرؤية الرياض، تبنّى أوباما دعم الحريات وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي في منطقة الشرق الأوسط، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، نهاية عام 2010. وساءت العلاقات بعد توقيع الاتفاق النووي، في ظل تجاهل أميركي واضح لواقع العلاقات بين البلدين، وذلك في وقت شرعت واشنطن بالانسحاب التدريجي من المنطقة، وهو ما رأت فيه الرياض بدايةً لخسارة الشريك الأساسي، ما يشكّل خطرا وجوديا عليها وعلى مصالحها في الأجل الطويل؛ لاعتمادها على مظلة الحماية الأميركية، كما أنها ستؤدّي إلى تحسين العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، التي ترى فيها السعودية الخطر الأكبر في المنطقة.
ومع وصول إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2016، شهدت العلاقات الثنائية موجة جديدة من الحرارة، لم تلبث أن تبخرّت مع انتخاب بايدن الذي عاد إلى مواصلة نهج أوباما، واتخذ سلسلة من الخطوات غير الودّية بخصوص الحرب في اليمن، والتي باعدت من جديد بين الرياض وواشنطن، ويبدو من ردود فعل السعودية وخطواتها أنها بدأت بترتيب بعض خياراتها الاقتصادية والعسكرية بعيدا عن الشراكة مع الولايات المتحدة، وصارت تقترب أكثر فأكثر من الصين وروسيا، الخصمين الرئيسيين لأميركا، وانعكس ذلك على تطوّر التوترات بين الرياض وواشنطن، التي كثفت، خلال الأشهر الستة الأخيرة، من إرسال المبعوثين إلى السعودية. ولهذا من المتوقع أن تشهد زيارة الرئيس الأميركي محاولاتٍ من أجل تفاهمات حول ملفين أساسيين مطروحين على الطاولة. الأول يتعلق بأسعار النفط، وتضغط واشنطن وأطراف غربية على الرياض لزيادة الإنتاج من أجل تعويض النقص في الأسواق الناجم عن الحظر الغربي على النفط الروسي، ومع أن “أوبك بلس” رفعت من إنتاجها في بداية الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) بحدود 600 ألف برميل، فإن المطلوب من المملكة يتجاوز ذلك إلى ما بين مليونين وثلاثة ملايين برميل يوميا، وحتى الآن تناور السعودية، وتلعب هذه الورقة بين واشنطن وموسكو، إلا أن من غير المستبعد أن تلبّي طلبات أميركا تدريجيا، كي لا تحصل أزمة كبيرة في الشتاء المقبل. والملف الثاني هو العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي بات في مرحلته الأخيرة، وأبدت واشنطن تصلبا في جولة مباحثات الدوحة في نهاية الشهر الماضي، في محاولةٍ لنزع الاعتراضات الإقليمية الخاصة ببرنامج إيران للصواريخ البالستية، والطائرات المسيّرة، ووضع الحرس الثوري على لوائح الإرهاب. أما في ما يخص التطبيع مع إسرائيل، لا يبدو أن الولايات المتحدة تعتزم الضغط على السعودية للانضمام إلى التحالف القائم بين إسرائيل وبعض الدول العربية، علما أنه نشر أن بن سلمان التقى، سرّا، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في عام 2020، ولا يزال التفاهم التام ينتظر اللحظة المناسبة.