وسط مساعٍ حثيثة يبذلها مجلس الحراك الشعبي في محافظة السويداء، جنوب سوريا، من أجل استئناف الاحتجاجات ضد الحكومة السورية، برز تطور لافت على مشهد المحافظة الجنوبية تمثل في ثبوت علاقة التعاون والتنسيق بين حزب “اللواء السوري” وقاعدة التنف الأميركية من بوابة التصدّي لنفوذ “حزب الله” في المنطقة المحاذية لإسرائيل.
ورغم أن الولايات المتحدة رفعت يديها عن ملف الجنوب السوري منذ تسوية عام 2018، فإن تحالفها المستجدّ مع قوة مكافحة الإرهاب التابعة لحزب “اللواء السوري” يمكن أن يشير إلى رغبتها في العودة للقيام بدور غير مباشر في إدارة الأزمة التي تعاني منها محافظة السويداء وسط تضارب المشاريع والأجندات التي تحيط بها في هذه المرحلة.
اتفاق بين قاعدة التنف ومكافحة الإرهاب في السويداء
وكشفت ما تسمّى “قوة مكافحة الإرهاب” التي تأسست منتصف العام الماضي لتكون بمثابة الذراع العسكرية لحزب “اللواء السوري” الذي أعلن الناشط السوري مالك أبو الخير تأسيسه من العاصمة الفرنسية في الفترة نفسها، عن قيامه بتسليم قوات التحالف الدولي عميلاً لـ”حزب الله” بعد اعتقاله. وقالت القوة في بيان منشور على صفحتها في فايسبوك، الأربعاء، إنها سلّمت جودت حمزة، وهو عميل لـ”حزب الله” اللبناني في السويداء إلى قاعدة التنف الأميركية بعد إلقاء القبض عليه. واضاف البيان أن التسليم جاء تنفيذاً لما قالت إنه “اتفاق العمل المشترك بين قوة مكافحة الإرهاب وقاعدة التنف”.
وأكّد المكتب الإعلامي لفصيل “مغاوير الثورة” المتمركز في قاعدة التنف الأميركية تسلّمه حمزة لضلوعه في تهريب المخدرات جنوب سوريا من فصيل “مكافحة الإرهاب”. وأشار متحدث باسم “مغاوير الثورة” إلى وجود “تعاون” بين فصيله و”مكافحة الإرهاب” في السويداء في إطار مكافحة تهريب المخدرات ومكافحة كل أنواع الجريمة في المنطقة.
وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها تأكيدات رسمية لوجود اتفاق وتعاون بين قاعدة التنف الأميركية وقوة “مكافحة الإرهاب”.
وكان مالك أبو الخير قال في تصريحات صحافية إبان الإعلان عن ولادة حزبه الجديد أنه يسعى الى الحصول على دعم من الولايات المتحدة لتنفيذ أهداف حزبه المتمثلة في جانب منها في محاربة الإرهاب والقتال ضد خلايا “داعش” في ريف السويداء الشرقي على مشارف البادية السورية. وليست واشنطن وحدها التي تواصل معها مؤسسو الحزب الجديد، فقد نقلت قناة “أورينت” عن مصادر خاصة بها أن تمويل حزب “اللواء السوري” يأتي من كل من بريطانيا وقطر.
وشنّ البيان الأول الذي صدر عن حزب “اللواء السوري” هجوماً حادّاً على إيران وأدواتها في الجنوب السوري، وقال إنه “بعد توزع القوى في سوريا إلى مناطق نفوذ أميركية وروسية وتركية وميليشيات لبنانية وعراقية تابعة لإيران، وتحول الجنوب السوري ساحة صراع بين أطراف دولية عديدة سعت إيران بالتعاون مع أجهزة الأمن إلى دعم عصابات إرهابية مسلحة وقدمت لها بطاقات أمنية وكل التسهيلات لتشويه صورة السويداء عبر ضرب تاريخها المشرّف، فتحولت المحافظة من مكان يحتمي فيه أبناء سوريا من أهوال الحرب إلى مكان لخطفهم وتعذيبهم… وأغرَقت المحافظة بالمخدرات ونشرت الفساد وما نتج منه من فقر وقهر وعجز مالي حوّل شباب بني معروف مرتزقة يقبلون الذهاب إلى ليبيا وغيرها من الدول من أجل تأمين لقمة عيشهم”.
الخشية من أجندة انفصالية
وكان حليف آخر للولايات المتحدة في سوريا هو “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) قد اتخذ موقفاً مؤيداً للحراك الشعبي الذي شهدته السويداء ضد الحكومة السورية الشهر الماضي. وقال “مجلس سوريا الديموقراطية”، الذراع السياسية لـ”قسد”، في بيان تأييد لتظاهرات السويداء، أن “ما يجري اليوم من حراك شعبي إحياءٌ للثورة”، و”تحدٍّ جديد في وجه سلطة الاستبداد، وبرهان آخر على أن ثورة الحقوق لا تموت”. ودعا البيان “قادة الحراك الثوري في السويداء، إلى قيادة مسيرتهم بأنفسهم وعدم السماح لأيّ طرف كان بحرفها عن مسارها السلمي، المطالِب بالتغيير الديموقراطي، وجعل سوريا دولةً للعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والقانون”.
وقد عزز تزاحم حلفاء واشنطن على تفاصيل مشهد السويداء المخاوف من وجود مخطط تسعى الولايات المتحدة الى تنفيذه في المحافظة الجنوبية قد لا يكون بعيداً من صورة المشروع الذي تدعمه في منطقة شرق الفرات حيث يتولى الأكراد إدارة ما يشبه منطقة مستقلة ذاتياً. وقد سبق لـ”النهار العربي” أن كشف عن علاقة تربط بين سامر الحكيم متزعم قوة “مكافحة الإرهاب” و”قوات سوريا الديموقراطية”.
وأشار التقرير الذي نشره “النهار العربي” آنذاك تحت عنوان “حزب اللواء السوري ارتباطات متناقضة وأجندة غامضة” إلى أن الحكيم حاول في شهر شباط (فبراير) 2021 تشكيل مجموعة مسلحة في قرية خازمة في ريف المحافظة الجنوبي الشرقي، وقال أمام وجهاء القرية إنه يسعى الى تشكيل فصيل مسلح بدعم من دول خارجية لم يسمها ويعتزم إنشاء معسكر للتدريب وأن باب الانتساب مفتوح مقابل رواتب شهرية مغرية.
وأضاف الحكيم أن “مقاتلات من ميليشيا قوات سوريا الديموقراطية (قسد) سيشرفن على عمليات التدريب وأن الفصيل سيكون نواةً لإنشاء حماية وإدارة ذاتية في المحافظة وسيتولى مهمة محاربة عمليات التهريب باتجاه الحدود الأردنية”، علماً أن قرية خازمة تقع على الحدود مع الأردن.
ويبدو أن إخفاق الحكيم في محاولته الأولى بعدما طرده الأهالي من القرية رافضين مشروعه، دفعه إلى التحالف مع مالك أبي الخير وإعادة تصدير مجموعته تحت مسمى قوة “مكافحة الإرهاب” التي تعتبر بمثابة الذراع العسكرية لحزب “اللواء السوري”.
جودت حمزة من تهمة الخطف إلى عميل لـ”حزب الله”
اعتقال جودت حمزة الذي قامت قوة “مكافحة الإرهاب” بتسليمه إلى “مغاوير الثورة” في إطار الاتفاق مع قاعدة التنف الأميركية، ليس حدثاً جديداً، بل يعود تاريخه إلى منتصف العام الماضي. وكان أول ظهور لاسم جودت حمزة في 24 تموز (يوليو) الماضي عندما أعلنت قوة “مكافحة الإرهاب” عن تحرير شاب من أيدي عصابة قامت بخطفه وطالبت ذويه بدفع 250 ألف دولار أميركي للإفراج عنه. ونشرت القوة تسجيلاً مصوراً ظهر فيه المتهم بالخطف جودت حمزة ورئيس العصابة رامي مزهر، وقد تحدث حمزة في التسجيل عن تفاصيل جريمة الخطف.
ولم تسند إلى حمزة في ذلك الحين أي تهمة ذات صلة بالعلاقة مع “حزب الله” أو إيران، بل كانت كل المعلومات والمعطيات تشير إلى كونه عضواً في جريمة مختصة بالخطف. لذلك قد يكون هناك احتمالان: إما أن التحقيقات مع حمزة قادت إلى اكتشاف علاقته بـ”حزب الله” والأدوار التي كان يقوم بها في تهريب المخدرات. والاحتمال الآخر أن يكون “حزب اللواء” قد وجد في حمزة ضالته التي يمكن أن تساعده في تعزيز تحالفه مع واشنطن من خلال إظهاره بصورة “الصيد الثمين” الذي يتمتع بعلاقات واسعة مع شبكات “حزب الله”، وذلك بهدف استجرار مزيد من الدعم من واشنطن، لا سيما في ظل سعي كل من موسكو ودمشق إلى إنهاء الأزمة في السويداء بالترهيب أو بالترغيب.
المصدر: النهار العربي