على الرغم من أن احتجاجات السويداء التي استمرت لمدة أسبوع كامل، شهدت هتافات وشعارات مضادة لإيران ومشروعها التوسعي في المنطقة، إلا أن التعقيدات التي تحيط بالملف السوري عموماً، وبملف الجنوب خصوصاً، فضلاً عن تعدد اللاعبين وتضارب أو تقاطع مصالح بعضهم مع البعض الآخر، يمكن أن تفضي إلى نتيجة معاكسة، بحيث يصبح الاحتجاج مناسبة مواتية قد تقتنصها طهران من أجل توسيع نفوذها بذريعة مواجهة “العصابات المسلحة”.
وكان مجلس حراك السويداء المسؤول عن تنظيم التظاهرات والاحتجاجات في المحافظة الجنوبية قد قرر “التريّث” وإعطاء مهلة، لم يعلن عن مدتها، لتنفيذ “مطالب أهلنا المحقة ضمن القانون والمؤسسات لا دولة الفساد والمفسدين”، وفق بيان صدر عن منظمي الحراك يوم السبت الماضي.
وأضاف البيان: “لا يعني هذا أننا توقفنا عن حراكنا الشعبي، فنحن مستمرون، ولكننا لن نسمح لأحد بأن يفوّت علينا هذه الوقفة لغايات ومقاصد نحن لا نسعى إليها”. وشدد على أنه “بعد هذه المهلة يتم التعامل بحسب معطيات الواقع، نحن صناع القرار ونحن من صنع مجد سوريا عبر التاريخ”.
جاء البيان بعدما نشرت تقارير إعلامية معلومات حول إرسال دمشق تعزيزات أمنية وعسكرية إلى محافظة السويداء على مدى أيام، أعقبت اندلاع الاحتجاجات، الأمر الذي اعتبره مراقبون بمثابة تلويح باستخدام القوة لقمع الحراك الشعبي، بخاصة أن التعزيزات تزامنت مع تصريحات روسية لافتة حول مخططات أميركية لإثارة الفوضى في عدد من المحافظات السورية، من بينها السويداء.
وزار وفد روسي محافظة السويداء يوم الخميس، حيث التقى المحافظ ورئيس فرع أمن الدولة على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها المدينة وأريافها، وإرسال دمشق تعزيزات أمنية.
ولم يكن لإيران حضور في أزمة “احتجاجات السويداء” إلا عبر التنديد بمشروعها الذي صدحت به حناجر المحتجين، وقد ذكر بعض النشطاء أن “إيران هي الحاكم في السويداء”، تعبيراً عن مدى تغلغل النفوذ الإيراني في المحافظة.
وقد رصدت شبكات إعلامية سورية محلية “تحركات مريبة” لميليشيات تابعة لإيران، متجهة من مناطق الشرق إلى الجنوب السوري عبر البادية.
ودفعت ميليشيا الحشد الشعبي وميليشيا “حزب الله” ولواء “فاطميون” وحركة “النجباء” و”عصائب أهل الحق” بأرتال كبيرة من منطقة الرقة ودير الزور وبادية تدمر، باتجاه الجنوب السوري (السويداء ودرعا وريف دمشق)، وفق تقرير نشرته شبكة “نداء الفرات”.
وقال مراسل الشبكة إنه تم تأمين الطرق من قبل حواجز “عصابات (الرئيس السوري بشار) الأسد ودوريات منتظمة للمفارز الأمنية منذ مساء أمس السبت، بالتزامن مع شن طيران النظام السوري المجرم” غارات متفرقة على مواقع في البادية السورية.
وقال مصدر خاص لشبكة “نداء الفرات” إن الأرتال كانت مكوّنة من سيارات دفع رباعي وأسلحة متوسطة وثقيلة، وحصلت شبكة “نداء الفرات” على مقاطع مصورة لتحرك أرتال الميليشيات الإيرانية في البادية السورية.
وذكر المصدر أنه بالتزامن مع تحرك تلك الأرتال، شهدت المنطقة تحليقاً مكثفاً لطيران مسير مجهول الهوية، وقد سلكت الأرتال طرقاً خاصة في البادية السورية لتجنب الاستهداف الجوي.
ويعد هذا التحرك الأول من نوعه بالتزامن مع توتر عسكري يشهده العالم، ما يرجح استغلال تلك الميليشيات توتر روسيا وأوكرانيا لزيادة تموضعها على حدود الاحتلال الإسرائيلي.
وكان حزب “اللواء السوري” الذي تأسس منتصف العام الماضي، قد صوّب بيانه الأول نحو الدور الإيراني في السويداء، إذ اعتبر أنه “بعد توزع القوى في سوريا إلى مناطق نفوذ أميركية وروسية وتركية وميليشيات لبنانية وعراقية تابعة لإيران، وتحوّل الجنوب السوري ساحة صراع بين أطراف دولية عديدة، سعت إيران بالتعاون مع أجهزة الأمن إلى دعم عصابات إرهابية مسلحة، وقدمت لها بطاقات أمنية وكل التسهيلات لتشويه صورة السويداء عبر ضرب تاريخها المشرّف، إذ تحولت المحافظة من مكان يحتمي فيه أبناء سوريا من أهوال الحرب إلى مكان لخطفهم وتعذيبهم.. وأغرقت المحافظة بالمخدرات ونشرت الفساد، وما نتج منه من فقر وقهر وعجز مالي حول شباب بني معروف، مرتزقة تقبل الذهاب إلى ليبيا وغيرها من الدول من أجل تأمين لقمة عيشها”.
وكشف تقرير لقناة “إيران إنترناشيونال” عن معلومات تفيد بأن طهران قامت في السنوات الأخيرة باستغلال الضعف الاقتصادي لدى المواطنين السوريين وهجرتهم، واشترت مئات الهكتارات من الأراضي في درعا والسويداء والقنيطرة، وتحاول بناء مناطق شيعية بالقرب من الحدود مع إسرائيل.
وقام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني العام الماضي بدفع 20 دولاراً شهرياً لعدد من الأسر السورية التي تعيش في المنطقة الحدودية، لاستهداف جنود إسرائيليين وزرع المتفجرات على الجدار الحدودي مع إسرائيل، وفق التقرير نفسه.
وكانت قناة “إيران إنترناشيونال” قد أعلنت الأسبوع الماضي، في تقرير خاص، أن إسرائيل تدرس حالياً بجدية إمكان شن الحرب المباشرة مع “فيلق القدس” في سوريا والقوات العسكرية التابعة لإيران في سوريا ولبنان.
وبحسب هذه المعلومات، فمن المقرر أن تبدأ إسرائيل مناورات عسكرية واسعة النطاق على حدودها مع سوريا ولبنان في أيار (مايو) المقبل.
كما أن من المقرر أن تستمر هذه المناورات لمدة شهر، وسيدرب الجيش الإسرائيلي قواته على خوض حرب واسعة النطاق على حدوده الشمالية.
يذكر أن إسرائيل شنت خلال السنوات الثلاث الماضية غارات جوية على مواقع إيرانية وقوات تابعة لها في سوريا، وصرحت إسرائيل مراراً بأنها لن تطيق الوجود العسكري الإيراني على حدودها.
المصدر: النهار العربي