لجأ “حزب الله” بعد الضجة التي أثارها عقد مؤتمر لجمعية “الوفاق” البحرينية في الحازمية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، واختباره رد فعل غاضباً من البحرين كما من الإعلام الخليجي، الى الاستثمار في خطوة مماثلة في إطار تصعيده ضد المملكة العربية السعودية، فأقام ندوة خطابية وإعلامية في الضاحية الجنوبية بدلاً من الحازمية لعدم إحراج رئيس الجمهورية على الأرجح، ولكن لإثبات، بنوع من التحدي، أنه هو من يرعى هذه الندوة علناً ويقود حملة احتضان مؤتمر لإطلاق “المعارضة السعودية ” تحت شعار “المعارضة في شبه الجزيرة العربية”، وفي ذكرى الشيخ نمر باقر النمر الذي أعدم في السعودية في 2 كانون الثاني (يناير) 2016.
وهكذا، فإن استحضار الذكرى بعد عشرة أيام إنما يظهر تعمد توجيه رسالة تصعيدية واستحضار العدّة اللازمة لها. البحرين كانت قد قدمت احتجاجاً شديد اللهجة الى لبنان الذي أعلن رفضه المساس بسيادة الدول الخليجية، وأظهر عزمه على ترحيل أعضاء من جمعية “الوفاق”. وبغض النظر عن حصول ذلك من عدمه، فإن المؤتمر ضد المملكة في كنف الحزب وفي منطقته يقيّد الى حد بعيد قدرة السلطة اللبنانية على التحرك.
تقصّد الحزب رفع سقف العداوة للمملكة السعودية في تظهيره قيادته حملة على غير ما يذهب اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حليفه الذي سبق أن أكد أنه يريد أفضل العلاقات مع الدول الخليجية، وإن كان ربطها بأن تكون علاقة تبادلية، وعلى غير ما يذهب اليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والغالبية العظمى من اللبنانيين. الرسالة التي يوجهها الحزب على هذا الصعيد تفيد، بحسب سياسيين، بالآتي:
أولاً إنها وسيلة إضافية من وسائل البروباغندا المعتمدة لديه، من أجل تأكيده سيطرة إيران على لبنان وتحكمها الى حد بعيد بتوجهاته. أي أنه يقوم بما يريده ويرفع المزيد من الرايات الإيرانية، ليس على طريق المطار أو في الضاحية الجنوبية أو في الجنوب والبقاع، حيث مناطق سيطرة الحزب التي يزرعها بالرايات الإيرانية وبصور المسؤولين الإيرانيين، الأحياء وغير الأحياء منهم فحسب، بل على لبنان ككل. وذلك في ظل عجز السلطة عن ردعه أو تقييده أو إلزامه بمصلحة لبنان بالمحافظة على علاقات جيدة مع محيطه العربي. وهذا يكتسب طابع الإعلان السياسي الذي يفترض أن يكون له وقع مماثل، أي وقع سياسي يراد ترسيخه أكثر فأكثر.
ثانياً: يبدو بالنسبة الى سياسيين معنيين، أن الحزب يوغل في توجيه الرسائل التي تفيد بأنه بمقدار ما يعطي انطباعات بأن لبنان بات تحت سيطرته وخاضعاً لنفوذه، فإنه يطرح على طاولة التفاوض، إذا وردت ومتى وردت، للبحث في هذه الظواهر المقلقة بدلاً من أن يضع سلاحه للبحث على طاولة المفاوضات. فإذا كان رد الفعل الخليجي رافضاً كما أظهرت، عن حق، الدول المعنية، فإنه يطمح الى ثمن أو أثمان من أجل وقف الحركة الاعتراضية التي يقوم بها، وحتى ربما عدم تطويرها عبر تحريك يتخطى حدود لبنان. فالمؤتمر في حد ذاته لا قيمة كبيرة له، ويعرف الحزب كما تعرف الدول الخليجية المعنية أنه لا يوصل الى مكان، خصوصاً متى نشأ في كنف الحزب الذي يتّصف بصفة “إرهابية” وفق التصنيف لدى دول غربية وخليجية، ولكن الحركة في حد ذاتها هي للقول إنه يستطيع تحريك الواقع الداخلي في المملكة، كما فعل بالنسبة الى مؤتمر البحرين التي سبق أن حصلت تدخلات فيها على وقع “المعارضة” البحرينية التي يدعمها الحزب بالذات.
ثالثاً: إن الحزب يظهر استخدامه لبنان ساحة من ضمن الصراع الإقليمي في المنطقة، والذي يدحض في الواقع كل المواقف أو التصريحات الإيرانية عن تحاور إيجابي بين إيران والمملكة السعودية، ما لم يكن ذلك في إطار الاستثمار بورقة لبنان من أجل تحصيل مطالب صعبة لإيران من دون ارتباط ذلك بالضرورة بالوضع في لبنان، بل قد يكون مرتبطاً باليمن أو أي منطقة أخرى أو بأي مستوى كان.
يضاف الى ذلك الجانب المتعلق بالتحدي للمقاربة السعودية بالذات، والتي وردت على لسان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي طالب القيادات اللبنانية بـ”تغليب مصالح شعبها، والعمل على تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء، وإيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة”، وفق ما ورد في الخطاب السنوي لأعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة لمجلس الشورى السعودي. فلا القيادات اللبنانية قادرة على فرض مصالح شعبها، ولا هي قادرة، وفق الأداء الذي يحكم سياسة الحزب، على “إيقاف هيمنة “حزب الله” على مفاصل الدولة”، فيما يظهر الحزب استياءه الشديد من توصيفه “إرهابياً” على لسان الملك السعودي بالذات وليس أي مسؤول آخر.
في المقابل، فإن من حق المملكة الخشية من تحركات مماثلة، ليس في تأثيرها بوضعها الحالي على المملكة، بل احتمال تطويرها من أجل اللعب في الداخل السعودي، عبر إطلاق نواة تتم رعايتها من لبنان بالذات، ما يضع المملكة أمام خيارات تتصل بمواجهة ذلك، والضغط على لبنان السلطة والمسؤولين معاً، أو ترك لبنان لمصيره ونفوذ الحزب وإيران، كما يعتقد البعض أنه أحد الدوافع في استفزاز المملكة وإبقائها بعيدة من لبنان. فهذا كان مناسباً جداً للحزب لتعزيز نفوذه والاستئثار بلبنان ككل من جانب إيران.
المصدر: النهار العربي