بعد أكثر من شهرين من الاضطرابات التي حصلت بعد الانتخابات الأخيرة في العراق، وجدت إيران نفسها “الخاسر الأكبر” في هذه الانتخابات، حيث تبحث عن استراتيجية من أجل السيطرة على الأضرار التي وقعت، وفق ما قال محللون لموقع “الحرة”.
وتصدرت الكتلة الصدرية، بزعامة رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، نتائج الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في العاشر من أكتوبر والتي تلتها اتهامات بالتزوير وجهتها فصائل موالية لإيران.
وحصل “تحالف الفتح”، الممثل الرئيسي لفصائل الحشد الشعبي داخل البرلمان بعد اعتراضه على النتائج الأولية بدعوى حدوث تزوير، على 17 مقعدا بعدما كان يشغل 48 مقعدا في البرلمان المنتهية ولايته.
وفاز تحالف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، والمتحالف مع الفتح بـ33 مقعدا.
ووصلت نسبة المشاركة في التصويت إلى 44 في المئة، وتجاوز عدد الناخبين المشاركين تسعة ملايين و600 ألف ناخب.
إحياء البيت السياسي الشيعي
المحلل السياسي العراقي، ورئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، قال إن “إيران استشعرت بالخطر منذ ثورة أكتوبر 2019، عندما كان هناك رفض للهيمنة الإيرانية، في الداخل العراقي”.
وأضاف في تصريحات لموقع الحرة : “طبيعة الانتخابات الأخيرة وما حصل عليه حلفاء إيران من مقاعد يدلل أن طهران كانت الخاسر الأكبر، وهو ما قد يعني أنها حتى خسرت الشارع الشيعي العراقي الذي كانت تعول عليه”، ناهيك عن خسارتها لقدرتها على التأثير على القرار السياسي في البلاد.
وأشار الشمري إلى أن إيران أدركت “أن حلفاءها في العراق تسببوا بأن تدفع ثمنا باهظا في العراق على المستويين الشيعي والسياسي، ولذلك قد نشهد عملية تغيير تدريجي لزعماء حلفائها”.
وزاد أن إيران قد تسعى للسيطرة على الأضرار التي وقعت من خلال إحياء “البيت السياسي الشيعي، وذلك حتى تمنع أي عمليات تصادم بين الحلفاء والأحزاب الشيعية المختلفة، وتجميد الخلافات ما بينهم”.
وأكد الشمري أن إيران ستسعى جاهدة إلى ضم زعامات وقيادات سنية لتضمن استمرار نفوذها.
ويرى أن الشارع العراقي فقد الثقة بالعملية الانتخابية، والأحزاب السياسية، وهو محبط بشكل كبير جدا خاصة وأنه لا يرى بصيص أمل لمساعدة الناس، وأن النتائج لن تخدم سوى مكاسب الأحزاب والفئات السياسية.
تفكيك المنظومة الولائية لإيران
الكاتب والمحلل السياسي، رعد هاشم، أكد في حديث لموقع “الحرة” “الخسارة الأكبر لإيران في الانتخابات الأخيرة، وأنها فقدت الكثير من عناصرها الفاعلة في العملية السياسية، وبما سيحد من نفوذها في البرلمان”.
وأضاف “أنه بعد تفكك المنظومة الولائية لإيران على المستوى التنفيذي سيعطي هذا الأمر مجالا لرئيس الحكومة المقبل، بأن يتمتع بالاستقلالية الحقيقية بعيدا عن الضغوط الإيرانية”.
وأشار هاشم إلى أن بعض “الفصائل الميليشياوية” ضعف نفوذها في مفاصل الحياة السياسية.
ويرى أن “ما حصل سيعطي استقلالية أكبر للاقتصاد العراقي، وعدم انخراط القطاعات ضمن عجلة الاقتصاد الإيراني”.
وتسعى إيران خلال الفترة الحالية إلى كسب ود الطبقة السياسية والجماعات التي فازت بالانتخابات لضمان تسيير مصالحها، بحسب هاشم.
وأكد أن تشكيلة أي حكومة مقبلة ومدى استقلاليتها هو ما سيحكم ما إذا كانت ستعمل على بناء علاقات متوازنة مع إيران أم لا، مشيرا إلى أنه يعتقد “أنه لن يكون هناك أولوية أو أفضلية لإيران في المستقبل كما كان في السابق”.
وذكر أن دلالات انخفاض المشاركة في الانتخابات الأخيرة، تشير إلى أن المواطن العراقي لم يعد قادرا على الاستمرار بنظام المحاصصة، في الوقت الذي يسعى الناخب العراقي إلى ديمقراطية حقيقية.
علامة تحذير
وأشار تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” أعده حميد رضا عزيزي، إلى أن نسب المشاركة المنخفضة في العراق يجب أن ينظر لها على أنها علامة تحذير حول مستقبل الاستقرار في البلاد.
وأضاف أن نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة تكشف أن الفصائل الشيعية المقربة من إيران هي الخاسر الأكبر، وهو ما يعني ضربة لنفوذ إيران داخل العراق، الأمر الذي دعا أنصار هذه الفصائل إلى النزول إلى الشارع والاحتجاج على النتائج والطعن فيها.
ويرى التحليل أن إيران أمامها تحديات عديدة تتطلب منها استراتيجية “حذرة للغاية”، والتي في مقدمتها فوز “مقتدى الصدر” الذي حصلت كتلته على أكبر حصة من المقاعد في البرلمان الجديد.
وأستطاع الصدر خلال العامين الماضيين تقديم نفسه كشخصية وطنية مستقلة، مستغلا تزايد موجة القومية العراقية والمشاعر المعادية لإيران، إذ لم يتردد في انتقاد الميليشيات المدعومة من طهران علنا.
وسعى الصدر إلى تولي دور “محور السياسة الشيعية في العراق”، والتي كانت يتحكم بها قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، حيث شهدت بعض الميليشيات الشيعية الموالية لإيران نوعا من الخلافات بما في ذلك داخل قوات الحشد الشعبي.
استراتيجية لاحتواء الأضرار
ويرجح تحليل “ناشونال إنترست” أن تتبع إيران استراتيجية خاصة بالفترة المقبلة في محاولة منها لاحتواء الأضرار التي وقعت بعد الانتخابات البرلمانية، والتي سترتكز ثوابتها على “منع نشوب صراع مسلح أو عنف واسع النطاق يشارك فيه حلفاؤها في العراق، والحفاظ على التماسك بين الجماعات الشيعية، ومنع تشكيل حكومة أغلبية أو إعادة هيكلة للدولة العراقية”.
وأضاف أن طهران ستسعى إلى التوجيه بإيجاد “حكومة توافق، وليس حكومة أغلبية بقيادة مقتدى الصدر”.
كما تعارض طهران “إلغاء نظام المحاصصة” رغم أنه مطلب من الشارع العراقي منذ عامين، والإبقاء على رئاسة الحكومة بشخصية شيعية، ورئيس البرلمان بشخصية سنية، ورئيس كردي.
في انتظار قرار المحكمة الاتحادية
وكانت قد أعلنت عدة فصائل موالية لإيران تعمل ضمن “قوى الإطار التنسيقي” وبينها “تحالف الفتح”، أنها تواصل “رفض النتائج الحالية والاستمرار بالدعوى المقامة أمام المحكمة الاتحادية لإلغاء الانتخابات”.
وفي 22 ديسمبر أرجأت المحكمة الاتحادية العراقية حسم النظر بدعوى قدمها تحالف “الفتح”، لإلغاء نتائج الانتخابات.
وينبغي على المحكمة الاتحادية حسم الشكاوى قبل أن تصادق على النتائج النهائية للانتخابات ليتمكن البرلمان الجديد من الانعقاد.
وعلى الرغم من عدم تصدر فصائل الحشد الشعبي، الكتل الفائزة في الانتخابات، ويقدر عدد مقاتليها بـ160 ألف مقاتل، تبقى هذه التشكيلات لاعبا مهما على الصعيد الأمني والسياسي في البلاد.
في غضون ذلك، ستتواصل المفاوضات حول تشكيل الحكومة المقبلة، لكنها تسير في دوامة معقدة تسيطر عليها الأحزاب الشيعية التي تلجأ في النهاية لاتفاق مرضٍ بغض النظر عن عدد المقاعد التي يشغلها كل حزب.
وفي نوفمبر، دافعت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة في العراق، جنين بلاسخارت عن عمل المفوضية الانتخابية، معتبرة أنه لا توجد دلائل “على حصول تزوير ممنهج”.
المصدر: الحرة. نت