كشفت مصادر مواكبة لمفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي لـ”العربي الجديد”، اليوم الجمعة، عن أن التكتم الشديد على مداولات المفاوضات “يعود إلى اتفاق بين أطراف التفاوض على عدم الإدلاء بأي تصريح حول ما يجري في المفاوضات، لعدم استغلاله سلباً خارج غرف التفاوض للتأثير عليها”، مشيرة إلى “الاتفاق بينهم على أن منسق المفاوضات إنريكي مورا هو المخول بالحديث عما يجري، ويتوقع أن يتحدث لوسائل الإعلام بعد انتهاء اجتماع اللجنة المشتركة الذي يعقد اليوم الجمعة”.
وتضيف المصادر التي فضلت عدم كشف هويتها أن “الأيام الأخيرة شهدت مداً وجزراً في المفاوضات، ومارست الأطراف الأميركية والأوروبية والجانب الإيراني لعبة حافة الهاوية إلى أقصى الحدود، وصلت إلى حدّ إمهال إيران لضرورة الاتفاق حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري، قبل أن ترفض المهلة بشكل قاطع”، مبينة أن “هذه الأيام سجلت ما يمكن وصفه بمعركة المقترحات والردود المضادة بين إيران والأطراف الغربية بشأن رفع العقوبات والخطوات النووية، وآلية تنفيذ أي اتفاق” لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وأكدت أن “المفاوضات، على الرغم من الاتفاق خلال الجلسة الافتتاحية يوم الخميس (التاسع من الشهر) على أن تشكل مسودات الجولات السابقة أساساً للتفاوض مع مراعاة التحفظات أو التعديلات الإيرانية عليها في المسودتين (قدمهما الوفد الإيراني سابقا بشأن رفع العقوبات والمسائل النووية)، لكنها عملياً اتخذت مساراً آخر، قبل أن تنجح الأطراف إلى حدّ كبير في ضبط الوضع، عبر التوجه لحصر نقاط الخلاف وبدء المساعي لتقليلها”.
وأوضحت أنه “في الأيام الثلاثة الأخيرة تكثفت الاجتماعات والمباحثات على مختلف المستويات، سواء على مستوى لجان الخبراء الثلاثة أو رؤساء الوفود، بشكل ثنائي ومتعدد الأطراف”، مشيرة إلى “لقاءات يومية مسائية لأطراف المفاوضات، باستثناء إيران، مع الوفد الأميركي برئاسة روبرت مالي منذ أن وصل إلى فيينا الأحد الماضي”.
يشار إلى أن ثلاث لجان انبثقت عن مفاوضات فيينا منذ إطلاقها خلال إبريل/نيسان الماضي، هي لجنة رفع العقوبات التي يجب أن ترفعها الولايات المتحدة، ولجنة الخطوات النووية التي ينبغي أن تقوم بها إيران، ولجنة الإجراءات العملية لتنفيذ الاتفاق أو لجنة جدولة تنفيذ الاتفاق.
مخاوف من انتهاء جولة التفاوض من دون إحراز تقدّم
ولفتت المصادر نفسها لـ”العربي الجديد” إلى أن “تكثيف اللقاءات جاء بدافع عدم انتهاء هذه الجولة من المباحثات إلا في ضوء تقدم، بالنظر إلى عطلة رأس السنة الميلادية، واحتمال أن يأخذ استئناف المفاوضات وقتاً زمنياً”، موضحة أن “ثمة مخاوف كبيرة راودت المفاوضين من انتهاء الجولة وعودة الوفود إلى العواصم من دون إحراز تقدم يشكل محفزاً لاستمرارية المفاوضات، خصوصاً أن الفاصل الزمني بسبب عطلة رأس السنة من شأنه أن يؤثر سلباً على الوضع، إن لم يحصل تقدم قبله، يضبط إيقاع التصريحات والاتهامات المتبادلة بين طرفي المفاوضات الرئيسيين”، إيران والولايات المتحدة.
أما عن التقدم الذي أحرزته المفاوضات، خصوصاً خلال اليومين الأخيرين، فكشفت المصادر المواكبة لمفاوضات فيينا عن أنه “مرتبط بتقليص الخلافات بشأن القضايا النووية بين إيران وواشنطن والدول الأوروبية الثلاث”، موضحة في السياق أن “الوضع في ما يتصل بهذه القضايا، يتجه نحو إعداد مسودة متفق عليها، تقلصت فيها إلى حدّ ما الخلافات النووية”.
وأضافت أن “كثيراً من الأقواس ما زالت مفتوحة في هذه المسودة، وهو ما يدعو إلى أن نكون حذرين في التفاؤل حول التقدم الحاصل”، مشيرة إلى أن “الاتفاق الأخير بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول موقع كرج النووي، وبحث حلول لبقية القضايا العالقة بينهما في غضون شهر، جاء مدفوعاً بتفاهمات بين أطراف التفاوض ومرونة وحسن نية أبدتها طهران”.
لا تقدّم في ملف رفع العقوبات
من جهة ثانية، أكدت المصادر المواكبة للمفاوضات في فيينا لـ”العربي الجديد” أن “التقدم الجزئي في المسائل النووية لا يقابله تقدم مماثل في ملف رفع العقوبات”، مضيفة أن “الولايات المتحدة لم تبدِ بعد تجاوباً عملياً مع مطالب إيران حول هذا الملف، وليست مستعدة بعد لرفع العقوبات أكثر مما وعدت به في مسودة رفع العقوبات، في الجولة السادسة خلال يونيو/حزيران الماضي”.
وعليه، فإن “الوفد الإيراني بعدما أبدى المرونة لتحقيق تقدم حذر في المسائل النووية، ربط مواصلة الأمر بتقدم مماثل في ملف العقوبات”، بحسب المصادر آنفة الذكر، التي أكدت أن “المفاوضات ما زالت تواجه الكثير من العقبات والمطبات، وأن التقدم الذي حصل ليس كافياً بعد لإحداث اختراق كبير يقرب التوصل إلى اتفاق”.
وسبق أن كشفت مصادر مواكبة للمفاوضات في فيينا، خلال الجمعة الماضية، عن أن “الولايات المتحدة كانت قد وافقت خلال الجولة السادسة على رفع 1040 إجراء حظر، بين إلغاء معظمها وتعليق بعض هذه العقوبات التي فرضت تحت بند مكافحة الإرهاب”، مع الإشارة إلى أن “الوفد الإيراني السابق قد قبل بذلك”.
غير أن الحكومة الإيرانية الجديدة رفضت ذلك، وفي مسودتها بشأن رفع العقوبات، أكدت “ضرورة رفع جميع العقوبات البالغ عددها أكثر من 1500 عقوبة”، كما قالت المصادر، التي أوضحت أن إيران ذكرت أن جميع العقوبات المرتبطة بحقوق الإنسان والصواريخ ومكافحة الإرهاب وغيرها، مرتبطة بالاتفاق النووي، لكونها فرضت بعد الانسحاب منه في إطار الضغوط القصوى.
وتهدف مفاوضات فيينا غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بواسطة أطراف الاتفاق النووي، وهي روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا ومفوضية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، لإحياء الاتفاق النووي المترنح بعدما انسحبت منه واشنطن عام 2018، وأعادت فرض العقوبات على طهران بشكل أقسى من ذي قبل، ثم قامت الأخيرة بوقف الكثير من تعهداتها النووية، وطوّرت برنامجها النووي، وقامت برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قياسية بلغت 60 في المائة، فضلاً عن خفضها عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية في منشآتها النووية بعد وقف العمل بالبروتوكول الإضافي الذي يحكم الرقابة على هذه المنشآت بموجب الاتفاق النووي.
إيران وروسيا تتحدثان عن “حصول تقدّم”
ويخيم تكتم شديد على ما يجري في مفاوضات فيينا، وبات من الصعب بمكان الحصول على معلومات حول كواليس المفاوضات. كما أن أطراف التفاوض تتجنب الإدلاء بأي تصريح بشأن تفاصيل المفاوضات، لكن الجانبين الإيراني والروسي يتحدثان عن إحراز تقدم فيها، فأكد كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، اليوم الجمعة، حصول “تقدم جيد”، فضلاً عن حديث المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف، الخميس، عن إحراز “بعض التقدم”. غير أن المفاوضين لم يكشفا عن مضمون هذا التقدم.
وأكد كبير المفاوضين الإيرانيين أن اللجنة المشتركة للاتفاق النووي ستعقد اجتماعاً اليوم الجمعة، وستتوقف المفاوضات عدة أيام قبل أن تستأنف، في وقت بدأت قبل قليل اجتماعات لجان الخبراء.
إلى ذلك، نقلت “رويترز” عن ثلاثة دبلوماسيين، الخميس، قولهم إن الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 ستجتمع الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش الجمعة (الثانية بتوقيت فيينا)، لتأجيل المحادثات بشأن إنقاذ الاتفاق.
وقال أحد الدبلوماسيين، إنه من المقرّر استئناف المحادثات في 27 ديسمبر/كانون الأول، بينما حدّد آخرُ إطاراً زمنياً بين عيد الميلاد والعام الجديد.
ومن المقرّر أن يحدّد اجتماع اللجنة المشتركة موعداً لاستئناف المفاوضات.
المصدر: العربي الجديد