إذا كانت استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي من الحكومة اللبنانية خطفت الأضواء الإعلامية والسياسية بعد الأزمة الدبلوماسية التي تسبّب بها كلامه عن الحرب العبثية في اليمن، فإن هذه الاستقالة على أهميتها لم تحجب كلام رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون من قطر والذي استقطب اهتماماً ملحوظاً بقوله «إن المجلس النيابي إذا قرّر بقائي في قصر بعبدا سأبقى» خصوصاً أن هذا الموقف يعبّر عن حقيقة مشاعر ونوايا عون الراغب في تمديد ولايته الرئاسية على غرار الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود وإلا تأمين وصول صهره النائب جبران باسيل خلفاً له على غرار ما فعله الرئيس اللواء فؤاد شهاب الذي أمّن انتخاب شارل حلو خلفاً له.
غير أن الظروف تبدو مختلفة بين الواقعتين، فالرئيسان الهراوي ولحود لم يكونا ليشهدا تمديد ولايتيهما لولا الوصاية السورية التي كانت ضاربة في تلك المرحلة بعد التسعينات ولغاية عام 2004 فيما الرئيس حلو لم يكن ليًنتخب خلفاً لشهاب لولا نجاح عهد الأخير وبنائه مؤسسات الدولة وصونه السيادة الوطنية. أما عون اليوم فلا توجد أي دولة تدعمه لتمديد ولايته لكنه قد يحظى بدعم حزب الله الذي تحوّل إلى دولة داخل الدولة. ولكن المفارقة أن التمديد للهراوي مشى به آنذاك الرئيس رفيق الحريري والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط الذين كانوا يتمتعون بكتل نيابية كبيرة ووازنة، كذلك مشى بالتمديد للحود ولو على مضض الرئيس الحريري إلى جانب الرئيس بري وحزب الله ونواب ودائع لسوريا داخل بعض الكتل، أما في حالة عون فباستثناء التيار الوطني الحر وحزب الله لا يوجد أي كتلة نيابية متحمّسة لتمديد ولايته وعلى رأسها كتل «المستقبل» والقوات اللبنانية و»اللقاء الديمقراطي» و»التنمية والتحرير» و»المردة» ما يُفقد هذا الخيار الأغلبية في المجلس النيابي.
وفي حالة تأمين عون انتقال الرئاسة إلى صهره باسيل، فينطبق عليها الأمر ذاته إذ إن الكتل عينها لن تمشي بخيار انتخاب باسيل ولاسيما أن عهد عون خلافاً لعهد شهاب الناجح كان عهداً فاشلاً وشهد أضخم أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية غير مسبوقة في تاريخ لبنان مثلما شهد على تعكير علاقات لبنان بأشقائه العرب وفي طليعتهم الدول الخليجية. أكثر من ذلك، فالعهد الملتصق بحزب الله يُفقد باسيل التأييد العربي وخضوع باسيل لعقوبات أمريكية يفقده التأييد الدولي.
وكان الرئيس عون بدا مناقضاً نفسه وفي حال من الارباك عندما أكد بداية أنه لن يسلّم إلى فراغ، ليعود ويقول إنه جرى استثمار هذه العبارة في غير محلها، نافياً أن يكون التمديد الرئاسي وارداً. وقبل أن تنقضي ساعات على توضيحه، عاد عون ليعلن أنه سيبقى في القصر إذا قرّر ذلك المجلس النيابي. وهكذا يكون عون قد فتح باب النقاش حول التمديد لنفسه أو انتخاب صهره ولاسيما أنه حدّد مواصفات للرئيس المقبل تنطبق ضمناً على صهره. ولو كان غير راغب بالتمديد لكان أعلن ذلك ورفض البقاء دقيقة واحدة بعد انتهاء ولايته الرئاسية تماماً كما فعل الرئيس السابق ميشال سليمان الذي انتقلت صلاحياته الرئاسية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام. وقرأ البعض تصريحات عون المتناقضة على أنها تعبير عن إرباك يسود القصر الجمهوري غير القادر على حسم مستقبل ولاية عون ولا مستقبل باسيل، والمستعد لدفع البلد إلى مأزق سياسي ودستوري يطيح في طريقه الاستحقاقين النيابي والرئاسي معاً. وما الطعن الذي تقدّم به نواب التيار بتعديلات قانون الانتخاب أمام المجلس الدستوري سوى بداية تؤدي إلى تعقيدات يصعب الخروج منها. ولو أن أياً من نواب حزب الله لم يوقّع على مراجعة الطعن احتراماً لحليفهم الرئيس بري عرّاب التعديلات على قانون الانتخاب، إلا أن الحزب ضمنياً مستفيد من هذا الطعن لأنه كما التيار يريدان إلغاء تصويت المغتربين اللبنانيين للمقاعد الـ 128 ويرغبان في حصر تأثير المغتربين بستة مقاعد في الخارج فقط وعدم استفادة خصوم التيار في الدوائر المسيحية من أصوات المغتربين الناقمين بمعظمهم على العهد الحالي وحليفه حزب الله.
ويحرص حزب الله، في هذا الإطار، على دعم حليفه المسيحي في حال حصلت ضغوط دولية لإجراء الانتخابات النيابية ولم يستطع تأجيلها أو التمديد للمجلس النيابي الحالي. فالحزب غير الخائف على حيثيته الشعبية في الوسط الشيعي في حال جرت الانتخابات، يدرك أن خسارة حليفه العوني ستُفقده أولاً ورقة الأغلبية في البرلمان وثانياً ورقة الغطاء المسيحي من أكبر كتلة نيابية. ولذلك سيبادر الحزب على الأرجح ليس فقط إلى دعم لوائح التيار في بعض الدوائر المختلطة بين الناخبين المسيحيين والشيعة كبعبدا وزحلة وجبيل وجزين وبيروت الثانية، بل ربما إلى تجيير نواب شيعة ليكونوا في كتلة باسيل بهدف إظهارها الأكثر تمثيلاً في وجه كتلة القوات اللبنانية، من دون إغفال دعمه لمرشحي «تيار المردة» بزعامة سليمان فرنجية.
وهكذا يبدو من كلام رئيس الجمهورية حول التمديد والبقاء في القصر أنه في واد والناس في واد آخر، فهو يبحث عن كيفية التمسك بالسلطة وتأجيل الانتخابات والناس تبحث عن كيفية إحداث تغيير في السلطة مراهنة على الانتخابات لتحقيق النقلة النوعية، وعون يفتّش عن السبل الآيلة إلى تأمين استمرارية عهده والناس تفتّش عن السبل الآيلة إلى تأمين معيشتها وحاجاتها الحياتية. وهذا الأمر يُفقد العهد وصهره الحاضنة الشعبية في ظل تراجع ملحوظ ونقمة متصاعدة كلما اقتربت الولاية الرئاسية من نهايتها وخصوصاً إذا استمر الانهيار مسيطراً على الوضع في البلاد واستمرت الأزمات الاقتصادية والمالية والحياتية على حالها.
المصدر: »القدس العربي»