على الرغم من إدانة طهران لمحاولة اغتيال مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي، ومجيء إسماعيل قاآني إلى بغداد ليلتقي أتباع إيران محاولاً تلطيف الأجواء، ونصحهم بقبول نتائج الإنتخابات، أملاً في تحويل إيران من دولة مسؤولة عن الجريمة إلى وسيط إيجابي. لكن عملية الإغتيال لا تحتاج إلى ذكاء أو كبير عناء لمعرفة من يكمن وراءها فالأمر مفضوح، وإيران لا تخفي جرائمها، في العادة، ما دامت تتستر بالمقاومة. لكن أية مقاومة؟! إنها مقاومة أية دولة عربية تفتحُ لها نافذة ما عن طيب خاطر، فأحقادها تمتد إلى ألف وأربعمئة سنة، إذ أيقظ أولياء الفقيه شهوتها الفارسية، ووجدوا في الدين غطاء، وفي القتل نهجاً وشرعاً. وقد مارسوا ذلك في لبنان والعراق وسورية واليمن.
لقد جاءت نتائج الإنتخابات العراقية على عكس ما يشتهي أتباع إيران، وإنما تجاوباً مع الشارع العراقي الذي أخذت تتشكل فيه حالة وطنية جديدة قادها الشباب العراقي، شيعة وسنة، يوحدهم انتماؤهم إلى العراق وطناً وتاريخاً عريقاً وتطلعاً إلى مستقبل واعد وآمن، ومن هنا، فقد جرت عملية الإغتيال بعد إفلاس تام، وبعد تهديد صريح، أمام الملأ. إذ أعلنها قيس الخزعلي أمين عام ميليشيا “عصائب أهل الحق” التي تستمد مشروعيتها من “صاحب الزمان الناطق بالحق آية الله الخميني”. لكن حكمة إلهية جعلت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ينجو من تلك المحاولة الفاشلة، رغم الطائرات الثلاث التي وجهت إلى منزله بنوايا خبيثة تحاول اجتثاثه بالكامل ولكن، وكما يقول المثل، “رب ضارة نافعة” إذ جاء فشل المحاولة ليؤكد بشاعة الدور الإيراني، لا في العراق فحسب بل في سورية ولبنان واليمن، ولينزع الغشاوة عن بعض الأعين التي تقول بصداقة إيران، فلعلَّ هذا الفعل الواضح يؤكد أن إيران عدوة وذات أطماع في المنطقة بل هي أشد خطراً، على منطقتنا، من كل عدو مرَّ عليها، وباء بالخسران، مهما كان الزي الذي تحلى به، بما في ذلك إسرائيل التي مايزال عدوانها مستمراً. فإيران تستثمر في العدوان الإسرائيلي في منتهى الخبث والدهاء إذ تزعم العداوة لإسرائيل والغاية الهيمنة على المنطقة وشعوبها.
وقد صنعت عملاء لها في العراق وغيره من البلاد العربية على شاكلتها فنهبوا العراق وشعبه. وفرطوا بسيادته واستقلاله، وعلى ذلك فقد اقتص الشعب العراقي منهم بالطرق القانونية، إذ حجب بعض أصواته عنهم، فكان أن فقدوا صوابهم فلجؤوا إلى الجريمة، وبأمر من الملالي الأسياد حاولوا اغتيال رمز الدولة العراقية، لتهتز أركانها وتعم فيها الفوضى، فتؤمن إيران على وجودها فالعراق بوابة إلى البلاد العربية الأخرى.
وإذا كانت الانتخابات قد جرت بعد ثورة الشباب التي عرفت بثورة تشرين عام 1919 فمن الطبيعي أن تعكس نتائجها الشعارات الوطنية البعيدة عن الطائفية والطائفيين! كذلك لا بد أن تعكس تلك النتائج وإن نسبياً حالة الفقر التي عاشها الشعب العراقي، في بلده الغني بثرواته الظاهر منها والباطن. إضافة إلى انعدام الخدمات العامة ومنها الكهرباء في وقت تجرى فيه الأحاديث الفاضحة عن نهب طغم الفساد التي حكمت العراق منذ العام 2003 فنهبت وإيران مئات مليارات الدولارات. وخلفتا شعباً جائعاً وبلاداً خراباً.
إن نتائج الإنتخابات سوف تعمل على تغيير موازين القوى، لتصب في عمق التحول المعقد باتجاه الديمقراطية، الأمر الذي يشكل خطراً على نمط الحكومات القائمة في العراق، فهؤلاء عرابو الأميركان الذين ما كان لهم دخول العراق وتدميره، وإسالة دماء شعبه، وتهجير الملايين منه لولا هؤلاء العرابون.
إن ما أفرزته الإنتخابات العراقية ذو أهمية كبرى، لا لأنها أفضت إلى تغيُّر إيجابي في الصف الشيعي لصالح الأكثر اعتدالاً في علاقته مع إيران، بل لأنَّ وعياً جديداً أخذ يتشكل تجاه الدولة ومفهومها الوطني الذي يقوم على عماد الشعب، وقد حدث ذلك رغم أن المتظاهرين قاطعوا الإنتخابات لتقديرات خاصة بهم، ولا يشك أحد في أن تأثير ما حدث في العراق سوف يطول الإنتخابات اللبنانية القادمة التي أخذت المعارك تدور حولها منذ الآن فشعارات الشباب اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشارع، ورفعوا شعار “كلن يعني كلن” تصب في الإتجاه العراقي نفسه. ومن هنا نرى أتباع إيران في كل من العراق ولبنان يعيشون أزمة حقيقية، وتراهم يتصرفون غاضبين في محاولة لإيقاف عجلة الحياة وقد زالت أغطيتهم فحزب الله في لبنان نسي أنه مقاومة ضد إسرائيل فهو لا يقدر الرد على عدوان إسرائيل المتكرر على سورية حيث يقاتل، ولا في لبنان قلعته الرئيسة، أما العراقيون فقد غادرتهم أميركا نازعة عن أتباع إيران مزاعمهم في مقاومة أميركا. ومن ربما أزمتهم التي هي أزمة إيران ذاتها التي تجد مقاومة شديدة لمشروعها الإمبراطوري الفارسي في غير عصره وزمانه، حيث حياة الفرد وحريته هي التي تشكل محتوى الدولة وروح العصر وذلك ما لا تؤمن به إيران بل تقمعها بوحشية وفي مقدمتها رئيس وزرائها المسؤول عن قمع احتجاجات 2019 ويعيش الشعب الإيراني اليوم أوضاعاً معيشية شديدة الضيق والعوز لا من العقوبات الأميركية بل مما تنفقه على السلاح والعملاء. لكن أفقها يضيق مع بدء تكسر أصابعها حيث توجد.
المصدر: اشراق