بحزن كبير تتذكر أم عدنان (40 عاماً) من مدينة إدلب حادث السير الذي أودى بحياة ولدها أثناء عودته من السوق منذ شهرين، نتيجة طيش السائق وتسليم القيادة للأطفال، وعن معاناتها تتحدث لإشراق: “كان ولدي البالغ من العمر 10 سنوات عائداً من السوق، ويسير مع صديق له إلى جانب الطريق، حين جاءت سيارة مسرعة يقودها طفل لم يتجاوز الخامسة عشرة، ودهس ولدي بسيارته ولاذ بالفرار .”
ويشهد ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺍنتشاراً ﻣﻠﺤﻮﻇﺎً لحوادث السير التي أزهقت الكثير من الأرواح، وسط تجاوز السائقين للقواعد المرورية وغياب المحاسبة، دون أن يجد الأهالي من يستمع لمطالبهم باجراءات ﺣﺎﺯﻣﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻭضرورة ﺍلتقيد بأنظمة السير .
ووثّق الدفاع المدني خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، استجابته لأكثر من 160 حادث سير في شمال غربي سورية، انتشل فيها جثمان شخص فقد حياته، في حين أسعف أكثر من 192 شخصًا أُصيبوا في تلك الحوادث، من بينهم 23 طفلًا تحت سن الـ14.
كما استجابت فرق الدفاع المدني منذ بداية العام الحالي لأكثر من 780 حادث سير، وأدت الحوادث إلى وفاة 36 شخصاً، بينهم 8 أطفال و6 نساء، وجرح نحو 790 آخرين بينهم 120 طفلاً.
وأوصى “الدفاع المدني” السائقين بضرورة تخفيف السرعة، وتفقد الحالة الفنية للسيارة، واتباع قواعد المرور، للمحافظة على حياتهم وحياة الآخرين .
سمير الفيلوني(34 عاماً) متطوع في الدفاع المدني بمدينة إدلب يتحدث لإشراق بقوله: “ﻣﻌﻈﻢ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺇﺩﻟﺐ تأتي ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻃﻴﺶ بعض ﺍﻟﺴﺎﺋﻘﻴﻦ، ﻭﺳوية ﺍﻟﻄﺮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻞ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻗﺼﻒ ﻃﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻭﺍﻟﻄﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ، كما تزداد ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭﻳﺔ جراء غياب التنظيم المروري وﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ، ﻭﺿﻮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣِﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴّﺔ، وﻋﺪﻡ ﺍﻣﺘﻼﻙ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺴﺎﺋﻘﻴﻦ ﻟﺮﺧﺺ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻱ ﻣﺆﺳﺴﺔ أو جهة ﺗﺼﺪﺭ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺍﺕ ﻓﻲ إﺩﻟﺐ، فضلاً عن الازدحام والكثافة السكاﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ تهجير ﺁﻻﻑ ﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻞ السورية ﻣﻦ مختلف المحافظات السورية إلى إدلب .”
ويؤكد الفيلوني أن ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ، ﻫﻮ إهمال ﺍﻷﻫﻞ ﻷﺑﻨﺎﺋﻬﻢ، واستهتارهم ﺑﻤﻌﺎﻳﻴﺮ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ، ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺃﻥ الأﻃﻔﺎﻝ باتوا يقودون ﺩﺭﺍﺟﺎﺕ ﻧﺎﺭﻳﺔ أو سيارات، ﻭﺑﺴﺮﻋﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻭﺍﻷﻫﺎﻟﻲ ﻏﺎﻓﻠﻮﻥ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ.
كما يبين أن ريف إدلب الشمالي شهد خلال السنة الأخيرة زيادة كبيرة في أعداد السيارات، قسم كبير منها مصدره المناطق التي سيطر عليها النظام في ريف إدلب الجنوبي، إضافة إلى السيارات التي تدخل بشكلٍ مستمر عبر الحدود من السوق الأوروبية المستعملة، وهي ذات سعرٍ منخفض نسبياً، ما يساعد على امتلاكها من قبل كثير من الأشخاص في هذه المناطق.
وطالب الفيلوني بضرورة الانتباه للأطفال بشكل خاص، وعدم تسليم القيادة لمن هم ليسوا أهلاً لذلك.. كما حث على عدم القيادة بسرعات عالية حفاظاً على أرواح المدنيين.
عائشة البديوي (29 عاماً) نازحة من معرة النعمان إلى مدينة حارم، فقدت زوجها وطفلها الذي لم يتجاوز العامين، وعن ذلك تقول: “ﺃصبحت قيادة السيارات متاحة للجميع دون استثناء ﻧﻈﺮﺍً ﻟﻐﻴﺎﺏ ﺩﻭﺭ ﺷﺮﻃﺔ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ وانتشار الفوضى .”
وتضيف بحزن: “كان زوجي يقود دراجته النارية برفقة ولدي الصغير، عندما صدمته سيارة مسرعة يسير سائقها عكس اتجاه السير، حيث فارق ولدي الحياة على الفور، فيما أصيب زوجي بكسر في الجمجمة ونزيف داخلي، وبعد أيام من بقائه في المشفى فارق الحياة أيضاً .”
علي العبود(44 عاماً) سائق من مدينة الدانا يتحدث عن معاناة السائقين في إدلب بقوله: “نعاني ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻭﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﻣﻦ ﺃﻫﻤﻬﺎ كثرة ﺍﻟﺤﻔﺮ ﻭﺍﻟﻤﻄﺒﺎﺕ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺨﻔﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ، كما ألاحظ أثناء قيادتي الكثير من التجاوزات من قبل السائقين، منها ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺿﻴﻖ، ﻭﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﺍﻟﺰﺍﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ، دون الاكتراث أن ﺳﻴﺎﻗﺘﻬﻢ متهوﺭﺓ، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺠﺎﺩ ﺑﻌﻮﺍﻗﺐ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻮﺧﻴﻤﺔ ﺍﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯﺍﺕ ﺍﻟﻼ ﻣﺴﺆﻭلة .
ويشير العبود ﺇﻟﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺎﻧﺔ ﺍﻟﻄﺮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ، ﻭﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺸﺎﺧﺼﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭﻳﺔ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ للحد من الحوادث قدر المستطاع .
تحولت قيادة ﺍﻟﺴﻴﺎﺭات والدراجات النارية في إدلب لدى الكثيرين ﺇﻟﻰ ﺭﻋﻮﻧﺔ ﻭﺗﻬﻮﺭ ﺗﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ الفوضى المرورية، ﻭﺗﺠﺎﻭز السائقين لقوانين ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ وقواعد السير، ليكون ذلك سبباً آخر للمآسي التي تثقل كاهل الأهالي، وتعرض حياتهم للمخاطر.
المصدر: اشراق