وفق وسائل إعلام تابعة للنظام السوري، فإن نهاية الشهر الجاري ستشهد ختام عمليات التسويات في أرياف محافظة درعا جنوب سوريا، بعد سحب السلاح من أيدي المطلوبين والمنشقين، على أن يخصص خلال هذه الفترة مركزٌ داخل قسم شرطة المحطة في مدينة درعا لاستكمال عملية تسوية أوضاع من تبقى من المطلوبين في المدينة، والمحافظة عموما.
ويأتي اختتام هذه العملية مع وصول قطار التسويات إلى قرى منطقة اللجاة ومدينة إزرع التي تعتبر أحد معاقل النظام العسكرية، والمقر الرئيسي لقيادة الفرقة الخامسة، وهي على غرار مدن وبلدات أخرى عديدة لم تخرج أصلا عن سيطرة قوات النظام، أو أن تلك القوات استعادتها منذ سنوات طويلة، لكن النظام اختار إخضاعها للتسوية “الإعلامية” لأهداف دعائية تتصل بتكبير صورة الانتصار أمام جمهوره وحاضنته الشعبية.
وكانت قوات النظام شرعت في هذه التسويات برعاية روسية مطلع شهر سبتمبر أيلول الماضي، وذلك في أعقاب حصار خانق فرضته على أحياء درعا البلد تزامنا مع عملية عسكرية شنتها على تلك المنطقة، لتمتد التسويات بعد ذلك إلى ريفي درعا الغربي والشمالي، وصولا إلى الريف الشرقي الذي يعد منطقة نفوذ للواء الثامن المدعوم من روسيا.
وجاءت هذه التسويات تفلتا من اتفاق 2018، الذي أملته موسكو في أعقاب الحملة العسكرية لقوات النظام على المحافظة، والذي نص على منح “وضع خاص” لبعض المناطق في درعا، يحتفظ فيه المقاتلون المحليون بأسلحتهم الخفيفة، مقابل تسليم المتوسطة والثقيلة، في حين تنتشر قوات النظام على المحاور الرئيسية للطرق.
وما يلاحظ أن قوات النظام تعاملت مع كل منطقة في درعا بشكل منفرد وبشروط مختلفة، تبعاً لعلاقتها السابقة مع هذه المنطقة، بدافع من روح الانتقام، وتصفية حسابات قديمة، أو بهدف الابتزاز المالي في حال كان أبناء المنطقة ميسوري الحال، ويمكنهم دفع الأموال.
ففي بلدة ناحتة بالريف الشرقي لدرعا على سبيل المثال، أقدمت قوات النظام على تطويق البلدة قبل وصول التسويات إليها، وأحرقت عدداً من منازل المطلوبين، وذلك انتقاما من البلدة التي شهدت مقتل عدد من عناصر المخابرات الجوية في أوقات مختلفة، وخاصة مقتل النقيب إبراهيم العلي صهر رئيس جهاز المخابرات الجوية السورية اللواء جميل الحسن، وذلك خلال التفجير الذي استهدف مقر المخابرات الجوية في مدينة السويداء، مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2013، والذي قتل فيه أيضا رئيس الفرع الرائد أسد عبدو، ونفذه معمر المفعلاني المنحدر من بلدة ناحتة.
وإضافة إلى ناحتة، شهدت عدة بلدات في ريف درعا الغربي حملات مداهمة واعتقالات بعد إجراء التسويات مثل اليادودة والمزيريب وتل شهاب، دوافعها انتقامية لمقتل عناصر من النظام خلال أوقات سابقة في هذه البلدات. كما أن حركة الاغتيالات في المحافظة عادت إلى الدوران حتى قبل أن تنتهي عمليات التسوية بعد أن تراجعت خلال الشهرين الماضيين في غمرة انشغال النظام وأجهزته الأمنية بعمليات التسوية، وخاصة فرع الأمن العسكري بقيادة العميد لؤي العلي الذي يعتقد أنه مهندس الاغتيالات في درعا عبر المجموعات المحلية التي أنشأها لهذا الغرض.
أما بلدات مثل الحراك والجيزة، فقد سعت قوات النظام إلى ابتزاز أهلها ماليا لاعتقادها أن معظمهم ميسورو الحال ولديهم أقارب يعملون في الخليج العربي، فعمدت إلى رفع سقف مطالبها وعدد الأسلحة المطلوب تسليمها، مع علمها بعدم وجود هذه الأعداد من قطع السلاح، حيث قبلت في النهاية تلقي مبالغ مالية مقابل كل قطعة سلاح مطلوبة. وبالفعل ناشد أهالي الحراك أقاربهم المغتربين لجمع أموال للمساهمة بشراء قطع السلاح المطلوب تسليمها إلى اللجنة الأمنية التابعة للنظام والتي فرضت دفع مبلغ 45 ألف ليرة سورية عن كل دفتر عائلي أو بطاقة شخصية في المدينة، تحت التهديد باقتحام المدينة وقصفها.
والتسويات التي تجريها قوات النظام تنقسم إلى قسمين، عسكرية لمن ترك الخدمة العسكرية، ومدنية في حال كان الشخص مطلوبا للنظام. ويعطى العسكري المنشق أمر مهمة مدته ثلاثة أشهر بدءًا من تاريخ عقد التسوية، على أن يلتحق بقطعته العسكرية التي تركها، بينما يمنح المدني بطاقة تسوية عليها صورته الشخصية ويعتبر غير مطلوب للأفرع الأمنية، ويستطيع التجول في المحافظة.
واللافت أن هذه التسويات لم تشمل مدينة بصرى الشام، وبلدة معربة في ريف درعا الشرقي، واللتين تعتبران المعقل الرئيسي للواء الثامن المدعوم من روسيا، في حين سلمت المجموعات العسكرية التابعة للواء في البلدات التي دخلت في اتفاق التسوية أسلحتها لقيادة اللواء في بصرى الشام، وأجرت التسوية مع اللجنة الأمنية.
ووفق معظم الترجيحات، فإن التسويات لن تشمل في هذه المرحلة قيادة “اللواء الثامن”، الذي يعتبر بشكل أو آخر أحد أجنحة النظام في الجنوب السوري، وهو يأتمر من روسيا، مع ملاحظة أنه ساعد قوات النظام في إعادة سيطرتها على مناطق في درعا سواء خلال حملة عام 2018، أم في السنوات اللاحقة على غرار دوره في مدينة الصنمين في إخراج المقاتلين منها نحو الشمال السوري، بعد أن رفضوا مساعي التسوية مع نظام الأسد.
ورغم أن عقلية النظام لا تقبل وجود قوة موازية تعمل إلى جانبه في أية منطقة داخل البلاد، إلا أن الظروف والمتطلبات الراهنة في محافظة درعا قد تجعل النظام يقبل مؤقتا بمواصلة اللواء الثامن القيام ببعض المهمات المكلف بها من جانب حليف النظام الأبرز روسيا، ومنها ضبط الأمن والتجاوزات في مناطق سيطرته، وملاحقة عناصر التنظيمات “الإرهابية”، وإعادة دمج الشباب في المنطقة تحت راية النظام، وخاصة أن خدمتهم في اللواء ستحتسب، من خدمتهم الإلزامية لدى جيش النظام. وتذهب بعض التحليلات إلى القول إن مدينة بصرى الشام قد تشكل نواة لحكم ذاتي في محافظة درعا، في حال توفر توافق دولي بالتنسيق مع روسيا.
والواقع أن ما يجري في الجنوب السوري، هو في الغالب يمهد لتحقيق الاتفاقات التي توصلت إليها روسيا مع إسرائيل والأردن، والخاصة بتمكين النظام من السيطرة على الجنوب بهدف مفترض وهو إبعاد إيران وميليشياتها عن المنطقة، إضافة إلى مواكبة، وربما التمهيد أيضا للتغيرات الإقليمية التي تجلت في التقارب المتسارع بين الأردن ونظام الأسد لإحياء العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، وشحن الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، ما يعني أنه لا بد من ترسيخ سيطرة النظام في الجنوب السوري.
وفي النتيجة، فإن سيرورة التطورات الأخيرة في درعا تشير بشكل عام إلى انتصار إرادة النظام حتى على حليفه الروسي الذي ربما فكر في بعض المراحل في تعميم تجربة درعا عقب اتفاق 2018 على مناطق أخرى في سوريا، لكن كان للنظام الكلمة الأخيرة حين قرر الانقلاب على هذا الاتفاق، ليقتصر الدور الروسي على “تلطيف” الأساليب التي اعتاد النظام استخدامها والمرتكزة على القوة العسكرية بشكل أساسي، وذلك وفاء من روسيا بالتزاماتها حيال الأردن وإسرائيل بعدم السماح بحدوث موجات نزوح واسعة من محافظة درعا ستكون وجهتها الوحيدة الأردن وإسرائيل، وهو ما لا يرغب أحد من الأطراف في حدوثه.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا