قرأت بإنتباه شديد رسالة وجهها السيد كمال شاتيلا، رئيس “المؤتمر الشعبي اللبناني”، إلى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان..
تتحدث الرسالة عن معاناة مؤسسات اسلامية في بيروت، وحاجتها الى المساعدة، مشيرة الى عدم مبادرة المفتي الى مساعدتها أو الطلب من نادي رؤساء الحكومات السابقين، المبادرة الى مساعدتها.. وتخص الرسالة ساكن بيت الوسط اي (النائب) سعد الحريري بالحديث…
يطالب شاتيلا، بأن يستقيل المفتي، لأنه لا يفعل شيئا للمسلمين السنّة، الذين لم يعد يمثل إلا فئة محدودة منهم.. إلى هنا والموقف يستدعي مناقشة..
أللافت أن شاتيلا، يتهم المفتي دريان، بأنه شاهد زور على تقاعس رؤساء الحكومات السابقين، وهم جميعا كما هو معروف من السنّة اللبنانيين..
هنا يستدعي الأمر وقفة.. إن إتهام المفتي، بانه شاهد زور إنما يثير في النفس مواقف مصيرية، أشد خطورة كان السيد شاتيلا فيها شاهد زور..
منصب المفتي، هو وظيفة رسمية في النظام الطائفي اللبناني، فهو محكوم بالإعتبارات الطائفية والمذهبية التي يلتزم بها جميع أطراف السلطة..
ومما لا شك فيه أن المفتي، مقصّر ورؤساء الحكومات السابقون، فاسدون أطراف السلطة الحاكمة.. لا يحتاج هذا نقاشا أو دليلا…
أما إتهام المفتي بشهادة الزور، فهو مما لا يحتمله الموقف.. لا نعلم ماذا يفعل المفتي في السر لمساعدة تلك المؤسسات وغيرها..
أما شاتيلا، فهو مسؤول حزبي رفيع مزمن.. وعليه فإن مواقفه يجب ان تكون نابعة من الولاء للشعب وللحركة الشعبية التي يرأسها منذ نصف قرن ويزيد، وللمبادىء الناصرية التي يعلن انتسابه إليها..
ما ورد في الرسالة، يبين بوضوح أن شاتيلا، ينطلق من أرضية مذهبية سنّية بيروتية، وليس من ارضية وطنية أو ناصرية بحال من الأحوال..
لكل إنسان الحرية في إختيار ولاءاته ومواقفه، وفقا لمصالحه أما ممارسة التحايل على الشعارات والمبادىء، وإستخدامها لفظيا حيث تدعو الحاجة فهو مما لا يمكن قبوله أو السكوت عنه.. من أي جهة أتى وتحت أي ظرف.. لا سيما حينما يتعلق الأمر بالمبادىء الناصرية، التي تمثل أملا نهضويا للأمة، فيما هي تتعرض لأشنع حملات التشويه من قبل أعداء الأمة، ومن قبل بعض أدعيائها الذين يبيعون المواقف هنا وهناك، حسبما تقتضيه إملاءات الولاءات غير المنظورة..
بالعودة الى إتهام المفتي بشهادة الزور، نود توجيه بعض الأسئلة الى السيد شاتيلا، لمعرفة حقيقة بعض مواقفه المفصلية، ومدى ما فيها من موقف صادق أو شهادة زور..
نبدص سنّيا:
– حينما يصمت شاتيلا، عن معاناة آلاف المعتقلين السنّة من دون محاكمة، ومن دون إتهام واضح، والاستمرار في سجنهم لسنوات من قبل السلطة ذاتها؛ أليس هذا شهادة زور؟
(افرج مؤخرا عن إثنين من هؤلاء بعد عشر سنوات في السجن بعد حكم ببراءتهم)..
– حينما كانت عرسال السنّية تتعرض للحصار والضغط والتجويع، ويصمت شاتيلا، فلا نسمع له صوتا دفاعا عنها؛ أليس هذا شهادة زور؟
– وحينما غضّ طرفه السيد شاتيلا، عن إغتيال نخب اسلامية سنّية، من المفتي حسن خالد مرورا بالدكتور صبحي الصالح، والشيخ احمد عساف، والقاضي وليد عيدو، وغيرهم كثر؛ ألم يكن شاهد زور على تلك الجرائم؟
– وحينما يتحالف مع “الأحباش”، أخطر عصابة سنّية تشكل خطرا على المجتمع المسلم والعربي؛ ألا يكون شاهد زور؟
وطنيا:
– حينما يحصر إهتماماته بموقف متتبع لسعد الحريري، وكانه هو المسؤول عن كل خراب في لبنان؛ ألا يكون شاهد زور، ينبثق من خلفية مذهبية إنتخابية فئوية؟
– حين يبارك كل أعمال ومواقف السيد نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني منذ 30 عاما؛ وهو من أكبر اطراف السلطة إنتفاعا وإستغلالا للمسؤولية في جني الأرباح وتوزيع المغانم على الأزلام، ألا يكون شاهد زور؟
بل حينما يصفه بأنه ضمانة الاستقرار والموقف الوطني، ألا يكون شاهد زور أيضا؟
– وحينما يسكت ويهادن ما يسمى ترسيم الحدود – الإعتراف التطبيعي مع العدو الصهيوني؛ أليست شهادة زور مصيرية؟
– حينما لاذ بصمت عميق حيال جرائم النظام السوري، وميليشيات الحقد والعنصرية على مخيم تل الزعتر، وما حصل فيه من مجازر؟ ألا يكون شاهد زور؟
عربيا:
– حينما يبارك شاتيلا، جرائم النظام السوري في تدمير مدن سنّية بكاملها، وتهجير ملايين السوريين، ولا تصدر عنه ولو كلمة رحمة او مناشدة لتحييد المدنيين؛ أليست هذه شهادة زور؟
– حينما يبارك للمحتل الروسي، كل عدوان له على مدن سوريا العربية، وقصف أحيائها المدنية بالطائرات والبراميل المتفجرة ولا تصدر عنه أي مواقف ولو إنسانيا تضامنا مع ملايين المنكوبين والمهجرين؛ ألا يكون شاهد زور من نوع خاص؟
– وحينما يفاخر بصداقته مع المحتل الروسي، ويعتبره منقذا مطالبا بتعميق محبته وصداقته الا يكون شاهد زور؛ فيما روسيا حليف الصهاينة..
– أليست صداقة روسيا، شهادة زور بحق جرائمها الخطيرة على مسلمي الشيشان والقوقاز، وقمعهم وتهجيرهم وتدمير مدنهم؟
– أليست مباركة المشروع الإيراني، والسكوت عن جرائمه بحق العراق وسوريا، ولا سيما ما يقوم به من تخريب آجتماعي وتغيير سكاني، وتقسيم مذهبي ونهب ثروات؛ شهادة زور خطيرة؟
– أليس توجيه التهنئة والبركات للعميل الأميركي نوري المالكي، بتدمير مدينة الموصل العربية التاريخية “السنّية” أيضا، وتهجير أهلها تحت مسمى تحريرها؛ شهادة زور متميزة؟
– أليست مباركة كل مواقف النظام المصري، جملة وتفصيلا، رغم ما فيها من إجراءات تهدد أمن مصر الوطني ومصير شعبها وحياته، وتسلط رجال الأعمال الفاسدين عليه وعلى مصادر رزقه؛ شهادة زور؟
– ألم تكن مباركة انور السادات، وهو يذبح الناصريين، في مصر ورجال جمال عبد الناصر؛ شهادة زور وتخل عن الناصرية ذاتها؟
– أليس السيد شاتيلا، هو صاحب شعار: افرم أفرم يا سادات، فيما السادات، يقطع أوصال جمال عبد الناصر ويمحو آثاره في مصر؟
ربما هناك أمور أخرى قد لا نعرفها جميعا، إلا أن مثل هذه المواقف تشكل؛ بمقاييس السيد شاتيلا ذاتها التي استخدمها لوصف المفتي دريان، بشهادة الزور؛ شهادة زور على جرائم مصيرية ترتكبها أطراف متعددة من الوجود الوطني والقومي والإسلامي..
إننا لا ننطلق من أي خلفية مذهبية بل نرفضها ونحاربها؛ ولا نتبنى مواقف المفتى المقصر الخائف؛ وقلنا مرارا أن أطراف السلطة من السنّة شركاء في التبعية والفساد.. جميعهم بلا إستثناء…
أما تمثيل السنّة فنسأل السيد شاتيلا، كم تمثل من هؤلاء؟ وكم يلتف حولك من أبناء بيروت التي تنتمي إليها؟
قلنا مرارا إن العصبيات المذهبية جميعا سنّية وشيعية، إنما هي أداة بيد أعداء الأمة من القوى العالمية والقوى الإقليمية المتواطئة معها، ولا سيما إيران؛ ومن كان قوميا عربيا ناصريا لا يقبل ألا أن يكون موحدا توحيديا وحدويا…
إن أي رئيس للحكومة، ينبغي أن يكون مسؤولا ومعنيا برعاية وتنمية كل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين..
وحتى لا تكون فتنة، ويكون الأمر لله؛ فإن شهادة الحق وموقف الصدق، قد أضحيا من العسر والصعوبة، لدرجة كبيرة لا يقدر على تجاوزها من كانت ذاتيته تتفوق على كل مبدأ.. ومن كان ولاؤه فئويا او مذهبيا أو شخصانيًا.
المصدر: المدار نت