هل يجد كلام أمين المجلس الاعلى للأمن القومي الادميرال علي شمخاني صدى بين أهالي منطقته وأبناء عشيرته الاحوازية عندما تحدث عن ان “الشعور او الاحساس بالتمييز اكثر ألماً من الجفاف وقلة المياه” وان ما حصل عليه أهل (خوزستان) من الشركات النفطية والمجمعات الصناعية الضخمة “لم يكن سوى تفاخر المسؤولين والعمال غير المحليين والحسرة” مضيفاً ان “ثروات (خوزستان) هي ثروات قومية ومن أجل الحفاظ عليها لا بد من تنميتها وتوفر الرفاهية لاهلها”.
كلام شمخاني وان كان يضع الاصبع على الجرح المزمن او بعض هذا الجرح مستمر منذ اربعة عقود من عمر الثورة الاسلامية التي حملت وعوداً بتعويض ما تعرضت له هذه المنطقة من حرمان وغياب العدالة والاستغلال من النظام الملكي السابق، الا انه جاء متأخرا كثيرا، خصوصا من شخصية تكاد تعتبر الوحيدة الممثلة لابناء خوزستان وللمكون العربي في الدولة والنظام الاسلامي في ايران. فهو وإن كان قد قدم خدمات كبيرة للنظام والثورة في جميع المواقع التي شغلها، العسكرية والسياسية والامنية، الا انه وحسب توصيف ابناء قومه واهله الاهوازيين، لم يشكل فارقاً في التخفيف من معاناتهم ووقف الظلم والحيف والحرمان الذي عانوا ويعانون منه منذ عقود.
هذا الموقف لشمخاني يأتي بالتزامن مع دخول المرشد الاعلى على خط ما يشهده هذا الاقليم منذ ايام، والتي تفجرت احداثه بعد تفاقم ازمة شح المياه والجفاف الذي ضرب المنطقة، والذي تداخلت فيه عوامل طبيعية واخرى ترتبط بسوء ادارة الموارد المائية الوافرة التي تتمتع بها هذه المنطقة التي يجري فيها أهم الانهر الايرانية واضخمها كنهري كارون وايزه، لكن السدود الكثيرة والمتعددة التي اقيمت عليها حرمت الاهالي من المياه ما أثر على مصادر رزقهم وعيشهم التي تشكل الزراعة اهم موارده وتشكل أهم رافد للسلة الغذائية الايرانية. فضلا عن ان هذا الحرمان يترافق مع مشاهدتهم لمياههم وهي تذهب باتجاه محافظات أخرى في وسط ايران.
هذه المحافظة او هذا الاقليم الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الايراني زراعيا ومائيا وتجاريا باتجاه العراق ومياه الخليج، ونفطيا كونه المصدر الاساس للذهب الاسود الذي تعيش عليه السلطة المركزية وتستخدم عائداته في ادارة مشاريعها السياسية والعسكرية الداخلية والخارجية، اكتشفت القيادة الايرانية انه يعيش حالة من الحرمان والانماء غير المتوازن على جميع المستويات. ما دفع المرشد للقول بان من حقهم ان يغضبوا وان يخرجوا الى الشارع، وعلى الدولة ان تقوم بمعالجة الامور، والتأكيد على ضرورة ان تضع الحكومة الجديدة أزمة هذا الاقليم على رأس سلم اولوياتها. وهو ما دفع الرئيس المنتخب الى تشكيل لجنة طوارئ استراتيجية لبحث تداعيات هذه الازمة واطلاق وعود بمعالجات جدية تبدأ بتعيين محافظ خاص وجديد ليشرف على وضع خطط عملية لتنمية حقيقية ومستدامة.
هذا الحراك وعلى أعلى المستويات، حتى من قبل الحكومة المنتهية ولايتها التي ارسلت النائب الاول لرئيس الجمهورية الى الاقليم للوقوف مباشرة على اسباب الازمة، لم يكن ليحدث ما لم يشعر النظام بجدية التحدي الذي يشكله هذا الحراك في البعد السياسي والمطلبي الحقوقي الذي عبر عنه ابناء الاقليم الاصليين من المكون العربي، وتمدده ليشمل ابناء المكون اللوري(وهو خليط فارسي كردي) في مدينة علي كودرز التي تعتبر مسقط رأس رئيس البرلمان الاسبق مهدي كروبي الذي وضع في الاقامة الجبرية منذ عام 2009 بعد ازمة الانتخابات الرئاسية والحركة الخضراء مع مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد.
اتساع رقعة الاحتجاجات وتطور مطالبها وخروجها عن الجانب الحياتي وازمة المياه الى البعد السياسي والمطالبة بالحقوق المدنية والدستورية، خلقت ازمة داخل النظام بين التعامل معها انطلاقا من البحث عن معالجات سريعة لاسباب اندلاع الحراك واطلاق وعود بسياسة انمائية جديدة، وبين التعامل من منطلق أمني، واعتباره تهديدا للامن القومي. ويبدو ان الجانب الثاني كان المتقدم على البعد المطلبي، وهو ما يفسر مسارعة القوى الامنية الى استخدام السلاح والتعامل مع المتظاهرين بالرصاص والعنف غير المبرر والذي ادى الى سقوط اكثر من عشر ضحايا وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين، وكانت الشرارة لهذه التعاطي الأمني مقتل احد عناصر الشرطة باطلاق نار من احدى المظاهرات.
تغليب البعد الامني الذي يبدو انه يشكل المدخل الذي يعتمده النظام في انهاء ظاهرة الاحتجاجات باسرع وقت ممكن، بالتزامن مع اطلاق معالجات سريعة للاسباب المباشرة للازمة، دفعت مسؤولين في النظام والمؤسسة العسكرية والامنية للعودة الى الحديث عن جماعات انفصالية تحركها جهات خارجية تكن العداء للنظام الايراني وتعمل على تأجيج الصراع بين القوميات الايرانية خاصة بين ابناء القومية العربية والسلطة المركزية في طهران، ما يعني ان الامور بالنسبة للنظام والمؤسسة العسكرية قد لامست الخطوط الحمراء، وان اللجوء الى استخدام العنف والقمع المسلح والامني بات أمراً لا مفر منه، لان اي تهاون في التعامل مع هذا التهديد قد يعني سلسلة من التحركات لأقليات وقوميات اخرى كالكردية والاذرية والبلوشية و.. تختزن بين ابنائها مقداراً وكماً كبيراً من الاعتراض والمعارضة للنظام وسياساته الادارية والانمائية والمركزية.
في المقابل، لا شك ان المعارضة العربية الاهوازية التي تنشط خارج ايران وجدت في هذا الحراك المطلبي فرصة لتعزيز دورها ونفوذها داخل صفوف الاهوازيين، الا ان الاتجاه العقلاني فيها يبدو انه المتقدم حتى الان، وهو يرفض عسكرة الحراك الذي تسعى له جهات يتهمها بانها مشبوهة، لان اللجوء الى السلاح يخدم سياسات النظام الامنية. في حين ان المرحلة تتطلب العمل بجد على انتاج طبقة سياسية تكون قادرة على النهوض بمشروع سياسي يمثل المطالب العربية، التي تبدأ بالحصول على قانون اللامركزية الادارية الموسعة، وصولا الى الفدرالية من دون استعجال بانتظار ان تنضج الظروف المساعدة لذلك.
المصدر: المدن