صفحة جديدة من الصراع على السلطة في العراق ظهرت هذه الأيام إلى العلن، وهذه المرة في إقليم كردستان حول رئاسة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أكبر الأحزاب الكردية العراقية، والمتحكم في محافظتي السليمانية وحلبجة وأجزاء من كركوك.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، نشب الصراع على قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني بين الرئيسين المشتركين للحزب، لاهور شيخ جنكي، وبافل طالباني، ابن الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، لتبرز مرة أخرى طبيعة الصراع بين الأحزاب على السلطة وامتيازاتها، التي تجعل التحالفات والاتفاقيات السياسية في مهب رياح المصالح الخاصة بعيدا عن مصالح البلد.
وبدأت قصة الخلاف الجديد بين قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني، عندما استحصل بافل طالباني، أوامر من حكومة إقليم كردستان، موقعة من رئيسها، نيجيرفان بارزاني، بإقالة قائدي المخابرات ومكافحة الإرهاب في السليمانية المقربين من لاهور شيخ جنكي، وتعيين قائدين مقربين من بافل مكانهما. وإضافة إلى هذا القرار فإن بافل طالباني أخذ يطلق على نفسه تسمية رئيس الاتحاد الوطني، كاسرا اتفاقا سابقا له مع شيخ جنكي (ابن عمه) على الرئاسة المشتركة للحزب عقب وفاة مؤسس الحزب جلال طالباني.
وخوفا من تحول الخلاف إلى نزاع مسلح، فقد زار بافل طالباني برفقة شقيقه ونائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني جهازي المعلومات ومكافحة الإرهاب والقيادات الأمنية والعسكرية في السليمانية، شدد خلالها قوباد طالباني على «ضرورة ابتعاد الأجهزة الأمنية عن التدخل في الشؤون السياسية» في تحذير لبعض الموالين لجنكي في الأجهزة الأمنية.
ورغم الوساطات للتقريب بين بافل طالباني ولاهور جنكي، وإجراء لقاء بينهما، إلا أن الأخير لم يكن راضيا، بل نشر بياناً، شدد فيه على أن «الاتحاد يتعرض لمؤامرة خارجية وتعهد بالتصدي لها» مؤكدا إن «التغييرات الأمنية أجريت بالقوة وعبر طرق ملتوية».
وما عزز استمرار الخلاف، ان بافل طالباني، أخذ يطلق على نفسه، صفة رئيس الحزب بدل الرئيس المشترك، ناسيا الاتفاق السابق حول الرئاسة المشتركة للحزب، وذلك بالتزامن مع قيام قوة أمنية تابعة لبافل بإغلاق مؤسسات إعلامية تابعة لجنكي في السليمانية. كما قامت قوة من مكافحة الإرهاب في السليمانية، باعتقال كوادر من مخابرات الاتحاد الوطني في المحافظة قبيل هذه الأحداث، إضافة إلى إعلان إعلام الاتحاد الوطني اعتقال «جاسوس» في منزل زعيم الحزب الراحل جلال طالباني في السليمانية، وأنّ «الجاسوس اعترف بالعمل لصالح شيخ جنكي» مما يؤشر تدهور علاقة الطرفين.
وكان اتفاق قيادة الحزب على الرئاسة المشتركة للاتحاد في شباط 2020 يقضي ان يقود بافل المقرب من القيادات القديمة في الحزب، الشؤون السياسية والإدارية في الحزب، فيما يدير لاهور، ابن عمه، جهازي «زانياري» الاستخباري، وجهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية. إلا ان قيام بافل الطالباني الآن بجمع القوة العسكرية للحزب مع السلطة السياسية بيديه، سيجعله رئيس الحزب بلا منازع . علما بأن المؤسسات الأمنية الخاصة (البيشمركه، والمخابرات والأمن) في أربيل والسليمانية خاضعة للحزبين الرئيسيين ومنقسمة ويعمل كل منهما على بمعزل عن الآخر ولم تنجح كل المحاولات لتوحيدها منذ 1990 وحتى الآن.
أما ردود الأفعال على هذه التطورات فكانت متباينة، فالحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة عائلة بارزاني، ذكر في بيان ان «أحداث السليمانية تسببت بحدوث توترات وأوضاع غير طبيعية وقلق المواطنين في مدينة السليمانية والمنطقة عموما» عادا «أن هذا الموضوع يتعلق بالشأن الداخلي للأخوة في الاتحاد الوطني، ونأمل إيجاد حل يصب في مصلحة واستقرار مواطني إقليم كردستان عموماً ومنطقة السليمانية خاصة، بما يزيل مخاوف وقلق الجماهير» إلا أن المراقبين يرون ان حزب بارزاني أحد المشجعين لقرارات الاتحاد الوطني الأخيرة.
أما حركة التغيير، ثاني أكبر أحزاب السليمانية، فقد دعا القيادي فيها محمود شيخ وهاب، إلى إنهاء السيطرة الحزبية على الأجهزة الأمنية في إقليم كردستان، مشددا على إن «الأجهزة الأمنية من البيشمركه والآسايش والشرطة يجب أن تكون بعيدة عن التدخلات السياسية ومهمتها الدفاع عن جميع المواطنين وحماية أراضي الإقليم» محذرا من الدخول في «خانة الفوضى التي تستغل في الصراعات السياسية».
وعموما فالمتتبع لتاريخ الاتحاد الوطني، يجد انه حافل بالخلافات والانشقاقات سواء مع الديمقراطي الكردستاني حزب بارزاني، أو ضمن القيادات الداخلية، ولعل أشهر الانشقاقات انفصال نوشيروان مصطفى وتشكيله حركة التغيير عام 2008. ولعل الصراع الأخير، سيضعف الحزب في الانتخابات القريبة لصالح الأحزاب المعارضة ومنها التغيير والجيل الجديد، وسيعزز الاعتقاد بأن أحزاب العراق منشغلة بالصراع على السلطة وعوائدها أكثر من اهتمامها بحل أزمات الجمهور المتنوعة.
والحقيقة ان واقع عراق اليوم، يؤكد ان من يمتلك السلاح في البلد يمتلك السلطة، وهو السر وراء سعي الأحزاب المتنفذة للسيطرة على الأجهزة الأمنية أو امتلاك ميليشيات، وذلك لغياب الثقة بين قيادات الأحزاب المتنفذة، ولقناعتها بان الشعب غير راض عنها. مع مراعاة ان التغييرات الأخيرة في السليمانية، رغم انها تعكس صراع العائلات الكبيرة للسيطرة على السلطة وموارد الإقليم، إلا انه لا يمكن استبعاد ان تلك الأحداث لا تجري بعيدا عن نفوذ وخطط إيران، الحليف الأقرب للاتحاد الوطني، أو عن حزب بارزاني، الذي يعتقد الكثيرون انه يشجع التغييرات الأخيرة، وقد تدخل ضمن مساعي أربيل لاضعاف بعض قيادات الاتحاد الوطني، ولضرب التعاون المعروف بينه وبين حزب العمال التركي، وذلك لتحجيم دور الأخير بهدف إضعافه ومحاصرته في الجبال بعيدا عن السليمانية ومدن الإقليم، نظرا لما يسببه من مشاكل وتحديات لحكومة أربيل والعراق، وتخريبه العلاقة مع تركيا التي تواصل ملاحقة عناصر وقواعد العمال شمال العراق.
المصدر: »القدس العربي»