من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان، إلى أزمة كورونا، وضع الثنائي الشيعي حكومة حسان دياب “المستقلة والتكنوقراطية” بين يديه.
الموجّه الأعلى
الدور الذي يؤديه أمين عام حزب الله حسن نصر الله، إرشاداً وتوجيهاً، تتناثر فيه الاستحقاقات بين أنامله: من توجيهاته لفرض حال التعبئة العامة وعزل بعض المناطق، إلى لملمة الحكومة والحفاظ عليها من أي تصدع يسببه خلاف على المواقع والنفوذ، إلى تحديد السياسات المالية والاقتصادية والضغط على المصارف.. يحيل نصر الله السلطة التنفيذية كلها إليه. الآخرون المفترض أن يكونوا رعاة الحكومة، أو هذا الموقع وفق المعيار المذهبي والطائفي، ليسوا هنا، وغائبون عن السمع.
بيان العجزة
“أركان الطائفة السنية” تحولوا إلى عجزة يراقبون عن بعد ما يجري أمامهم، غير قادرين على فعل شيء، سوى إصدار بيانات عجزهم. بيانات هيهات أن تفتح لهم ثقوباً صغيرة لنسج علاقات، سواء مع رئيس الحكومة أو مع غيره، لعلهم ينقذون بعضاً من مكتسباتهم الإدارية. التحق بثلاثي الرؤساء السابقين الرئيس سعد الحريري، الذي كان سابقاً يستشيط غضباً من “مؤسسة رؤساء الحكومة السابقين”، ويعتبر أنها تستهدفه. أما اليوم فلم يعد في يده حيلة، وآلت به أحواله إليها.
جمهور الإحباط
جمهور الطائفة السنية يعيش حتماً في حال من الإحباط الجديد. خصومه، سياسيين وجمهوراً، في غاية النشوة. ينظرون إلى عُجّز سياسياً، غير قادرين إلا على إصدار بيانات أدنى شأناً بكثير من التطورات وأخطارها المحدقة، وتنحصر بالصغائر، كالتعيينات والدفاع عن الصلاحيات والمواقع، فيما أزمة كورونا تعصف بالبلاد.
يطاول الإحباط السني السياسي الحالة العامة المعيشية والصحية. رئاسة الحكومة ليست معهم. وهم في الأساس لم ينظروا يوماً أنها معهم بسبب عجز قياداتهم المتمادي ما بعد رفيق الحريري، باستثناء محطات عابرة في حقبة تولي السنيورة وتمام سلام رئاسة الحكومة، لكنها سرعان ما تبددت.
الإهمال الذي كان يقابِل به سعد الحريري بيانات رؤساء الحكومات السابقين، يماثله اليوم حتماً إهمال حسان دياب، الذي يجد نفسه مضطراً لتنفيذ توجيهات نبيه بري وحزب الله ورئيس الجمهورية. ما أن صرخ برّي حتى تحرّك حزب الله، وباشر المعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين الخليل جولات مكوكية بين السرايا الحكومية وعين التينة، لإصلاح ذات البين والحفاظ على حكومته. سرعان ما استجيب لمطلب برّي بإعادة المغتربين، وأٌجل البحث في التعيينات، في انتظار التوافق، ولينال بري وفرنجية ما يريدان.
الحزب القائد
الصورة تتضح أكثر: تماهٍ بين حزب الله والدولة، والسلطات الثلاث طوع بنانه، وإلى جانبها قوته العسكرية والأمنية. وهناك قوة جديدة أظهرها في تجنيده ألوف المتطوعين للخدمة الصحية في مواجهة وباء كورونا: تجهيز مستشفيات ميدانية وإجراء تدريبات صحية سريعة لفرقه.
للحزب فلسفته الخاصة في ما يتعلق بالتهامه الدولة وازدواجيتهما في آن واحد. هو الذي كان يوماً كياناً موازياً لها، أصبحت اليوم كياناً منصهراً في كيانه. لقد أصبح الحزب القائد للدولة والأمة. والتغييرات التي يتحدث عنها نصر الله وستنجم عن أزمة كورونا، تقع في صلب أحلام الحزب وأفكاره: تكريس تماهي الدولة والحزب واكتماله. وهذا يكرس مستقبلاً مقاربة حزب الله الاقتصادية والمالية، لا سيما بعد الضغط المستمر على المصارف والمؤسسات المالية الكبرى. وهي ستخضع، على ما يبدو، لضغوط أكثر في المستقبل، لتستجيب لتوجهات الحزب. حكماً سيؤدي ذلك إلى تغيير في طبيعة النظام المصرفي وآلية عمله، وإلى دمج المصارف بعد إفلاس عدد منها، أو تعثر عدد آخر.
بكيانه العسكري وتوجهاته السياسية والأمنية والمالية، وبعدم انخراطه في الدولة ومؤسساتها، كان حزب الله تجسيداً لصورة الإزدواجية بين المؤسسات، كما هي الحال في إيران، أو العراق لاحقاً، وحتى سوريا: الانفصال بين الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني، وسيطرة الحرس على مقدرات وقطاعات اقتصادية منفصلة. وتجسدت هذه التجربة في العراق عبر الحشد الشعبي. وفي سوريا عبر تأسيس قوات الدفاع الوطني.
لكن الأزمات السياسية المتلاحقة في لبنان، وضعف خصوم حزب الله، وتركيبة النظام اللبناني، أدت إلى ترهل الدولة ومؤسساتها نهائياً، وأفرزت هذا التماهي بين الحزب والدولة. وهو سيتكرس أكثر ليس في عهد الحليف الاستراتيجي لحزب الله وحرصه على حكومته، بل سيتكرس بعوامل أخرى اقتصادية ومالية وصحية، بعد أزمة كورونا التي يعرف الحزب كيف يستثمرها أكثر، فيتحول من كيان مواز للدولة، إلى الحزب القائد للدولة. ومن كانوا ينشدون العمل في سبيل تركيز دعائم الدولة، صاروا متقاعدين عاجزين. أقصى ما يمكن أن يحققوه هو النظر من بعيد، والبكاء على الأطلال منشدين: “يا زمان الوصل”.
المصدر: المدن