يسلط تلويح وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد الحمداني، باللجوء إلى المجتمع الدولي والأمم، لمواجهة عدم التزام إيران بالحصص المائية بين البلدين، الضوء على النزاع الذي يعود إلى أكثر من 100 عام على الأنهار والروافد النهرية بين البلدين.
وفي ظل أزمة حادة، قال الحمداني، في تصريح، الأحد، إن بلاده تحدثت “مع إيران وتركيا للاتفاق على بروتوكول تقاسم المياه، إلا أننا لم نحصل على إجابة حتى الآن”.
وأضاف: “لا يمكن أن تبقى الأمور بدون اتفاق بشأن الإطلاقات المائية”، مشيرا إلى أن “الإطلاقات المائية من إيران بلغت صفرا”.
وتابع: “الأزمة ستتفاقم في محافظة ديالى إذا استمرت إيران بقطع المياه عن أنهر سيروان والكارون والكرخة”، ملوحا باللجوء إلى المجتمع الدولي “من أجل تقاسم الضرر وإطلاق حصة العراق المائية حسب المواثيق الدولية”.
وشدد الوزير على ضرورة “اتخاذ حلول لتخفيف الضرر في ديالى بسبب شح المياه”، لكنه أضاف أن “الخزين المائي جيد لتأمين الخطة الصيفية والشتوية ومياه الشرب”.
ووفقا لأوراق بحثية عراقية، فإن مجموع الروافد النهرية بين البلدين، الناتجة عن نهر دجلة، تقدر بنحو 40، ويشكل شط العرب النقطة الأبرز للنزاع على الحصص المائية، وبسببه وقعت العديد من المناوشات وأبرمت اتفاقيات لتنظيم الوضع المائي.
ووفقا لدراسة استراتيجية لشبكة النبأ العراقية، فإن العوامل الخارجية، من أهم مسببات أزمة المياه في العراق، وأشارت الدراسة إلى أن العديد من الاتفاقيات عقدت إبان حكم الدولة العثمانية، مع المملكة القاجارية التي كانت تحكم إيران قبل حكم الدولة البهلوية مطلع القرن العشرين، لتنظيم تقاسم المياه.
ولفتت إلى أن بريطانيا وفرنسا تولتا عقب السيطرة على المنطقة، توقع اتفاقيات مع الدول الجديدة مثل إيران وتركيا، إحداها عام 1913، لتنظيم المياه في شط العرب، أعقبتها اتفاقية تنظيم استخدام مياه دجلة والفرات عام 1920، وأخرى عام 1930.
وبعد حصول العراق على الاستقلال، عام 1932، أبرمت اتفاقية مع إيران حول شط العرب، عام 1937.
وتنص معاهدة 1937، على سيطرة العراق على كامل المجرى النهري الملاحي على شط العرب، باستثناء أماكن معينة تم تحديدها عبر فرق فنية، ووقعت الاتفاقية في قصر سعد أباد في طهران، لكن المعاهدة فسخت لاحقا من قبل الطرف الإيراني، بسبب انسحاب العراق من حلف بغداد.
وتطرق الباحث والمحلل السياسي الدكتور يحيى الكبيسي، في مقال نشر عام 2019 إلى الوثائق المتعلقة بالنزاع الحدود والمائي، بين العراق وإيران إبان الثلاثينيات وقال إن هناك مراسلات بين وزارة الخارجية العراقية ووزارة الخارجية الإيرانية حول تسوية مسألة المياه في مندلي، فضلا عن تقاسم مياه نهر كنجان جم الذي يتدفق باتجاه مدينتي زرباطية وبدرة العراقيتين، بهدف توزيع المياه بشكل عادل بين الجانبين.
ولفت إلى أن هذه الرسائل العراقية أشارت إلى قيام الحاكم العسكري الإيراني في منصور أباد بحفر قناة جديدة، وبناء سد على طول مجرى النهر، وهو ما أثر على إمدادات المياه في الجانب العراقي من الحدود.
وطالبت وزارة الخارجية العراقية بتشكيل لجنة من الجانبين لإجراء التحقيق ووضع اتفاق على أساس العرف السابق في ما يتعلق بالنسب المائية التي يجب أن يحصل عليها السكان على جانبي الحدود. وكان الرد الإيراني هو رفض تشكيل لجنة كهذه لتسوية مسألة تقاسم المياه، وأنه من المستحيل تحديد مقدار فائض المياه في هذا النهر من أجل تقسيمه بين الطرفين.
وشدد على أن المراسلات التاريخية بشأن المياه، خاصة مشكلة نهر كنجام في الأعوام 1932 و1933 و1934، مع استمرار تقديم الشكاوى بهذا الشأن للجانب الإيراني كانت دون طائل.
لكن بعد عقود عاد البلدان لتوقيع اتفاقية جديدة، خاصة بالحدود وتسوية النزاع المائي، عام 1975، وكانت الاجتماعات في الجزائر، وكان من بنودها تعيين الحدود النهرية حسب ما يعرف بخط التالوك، وهو أعمق النقاط وسط شط العرب، ووقع الاتفاقية كل من شاه إيران محمد رضا بهلوي، ونائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين.
وأورد الكبيسي في كتاب للدكتور شاكر الأسود “الحدود العراقية الإيرانية ـ دراسة في المشاكل القائمة بين البلدين” الصادر عام 1970 إلى نوعين من الانهار حينها: أنهار لا مشاكل فيها؛ وهي نهر الزاب الصغير وروافده ونهر ديالى وروافده ومجموعة الوديان والمجاري المائية القصيرة في قضاء مندلي وعددها ثمانية، ومجموعة أنهر الحدود في محافظتي واسط وميسان والبصرة وعددها 7 أنهر.
والنوع الثاني، هو الأنهار التي فيها مشاكل حقيقية بين البلدين؛ وهي: روافد بناوة سوتا في محافظة السليمانية، وأنهار قرة تو والوند وكنكير في محافظة ديالى، ونهر كنجان جم في محافظة واسط، وأنهار أطيب ودويريج وشط الأعمى ونهر الكرخة في محافظة ميسان، وأخيرا نهر الكارون في محافظة البصرة.
وقد جاءت اتفاقية كانون الأول/ ديسمبر 1975 التي وقعها وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي ووزير الخارجية الإيراني عباس خلعتبري من أجل ضمان التوزيع العادل لهذه الأنهار العابرة للحدود، وهي مصدر الإشكال؛ فقد اتفق الطرفان على تقسيم مياه أنهار بناوة سوتا وقرة تو وكنكير إلى جزأين متساويين بين البلدين (المادة 2/ أ)، وتقسيم مياه أنهار الوند وكنجان جم والطيب ودويريج بين البلدين وفقا لتقارير لجنة تعيين الحدود الإيرانية والعثمانية لعام 1914 ووفقا للعرف (المادة 2/ ب)، وأخيرا تقسيم مصادر المياه العابرة للحدود غير المشار إليها أعلاه، وفقا لأحكام هذه الاتفاقية (المادة 2/ ج).
ولم تدم الاتفاقية طويلا، وبعد 4 سنوات ومع اندلاع الثورة الإيرانية، وقيام نظام جديد في إيران، واندلاع الحرب العراقية الإيرانية، انتهت الاتفاقية، واعتبر العراق شط العرب جزءا من مياهه بالكامل، وبقي النزاع قائما حتى العام 2014، حيث توصل الجانبان العراقي والإيراني إلى اتفاق جديد وفقا لما تم التوقيع عليه عام 1975، لكن التطبيق على الأرض لم يجر وفقا لما تم الاتفاق عليه، ويتهم العراق إيران، بتحويل الروافد النهرية التي تدخل العراق إلى أماكن أخرى داخل إيران، ما تسبب في نقص حاد في التزويد وصل إلى الصفر في العديد من المناطق.
وقال الباحث الدكتور يحيى الكبيسي، إن حديث الوزير العراقي، عن أن الكثير من الواردات المائية من إيران وصلت إلى الصفر يعني أن نهر دجلة يتعرض للحرمان من روافد رئيسية تصب فيه، وإذا أخذنا قلة الواردات المائية من تركيا، مع قطع المياه من إيران، فإن العراق مقبل على جفاف حقيقي، وخطورة الوضع هي ما فرضت على الوزير التصريح بشأن المشكلة المائية.
وأوضح الكبيسي في حديث لـ”عربي21″: “أننا أمام سياقين، قانوني وسياسي”، وقال إن “العراق لديه أوراق وإمكانيه للضغط على إيران في هذا المجال، وهناك بروتوكول موقع بين البلدين عام 1975 بضمان التدفق الطبيعي للمياه، في هذه الروافد المتجهة لنهر دجلة، وهناك تحديد لكمية المياه التي تدخل إلى العراق من بعض الروافد بموجب الاتفاق والبروتوكول ضمن اتفاقية الجزائر التي تقاسم البلدان فيها شط العراق”.
ولفت إلى أن الاتفاقية تضمنت تحديدا زمنيا في حال الخلافات أو الفشل بالوصول إلى اتفاق بين البلدين، في فترة 3 أشهر، باللجوء إلى دولة ثالثة للتحكيم الدولي، واللجوء كذلك إلى محكمة العدل الدولية، لكن بغداد لم تستخدم هذه الأوراق حتى اللحظة.
وشدد على أن الضغوط تمنع العراق من إلزام إيران بتنفيذ بنود لم تلتزم طهران بها، ولم تطبق منها سوى المتعلق بشط العرب الذي يحقق مصالحها، أما ما يتعلق بمصالح العراق فتقوم طهران بقطع روافد الأنهار فيه، وإن لجوء العراق إلى التحكيم الدولي يمنحه أفضليه لتحصيل حقوقه وتجنب الجفاف بالمحصلة.
وأكد أن القضية في الأساس قانونية، واللجوء إلى التحكيم الدولي في باريس أو للعدل الدولية، سيحرج إيران، لأن عدم التزامها ببنود اتفاق ضمان التدفق الطبيعي للأنهار تجاه العراق، يمنح الأخير الحق في تنفيذ البند المتعلق بشط العرب وهو العودة إلى وضع ما قبل عام 1975، والسيطرة الكاملة عليه، وإذا امتلك العراق إرادة سياسية فإنه يمكنه الإقدام على الخطوة.
ويتهم نشطاء إيران، بمواصلة ابتزاز العراق في مياه الطاقه، في ظل قطع الروافد النهرية، وكذلك قطع التزويد الكهربائي في الفترة الأخيرة، مع ارتفاع درجات الحرارة في شدة الصيف.
وأشار نشطاء إلى أن إيران تحاول إبقاء العراق تحت السيطرة، لضمان التحكم بالسياسات الداخلية والخارجية من خلال وكلائها داخل العراق.
المصدر: عربي 21