هي نوع من المغالطات الشائعة التي يستخدمها أطراف الجدال( أو أصحاب مشروع ) حول مسألة ما لدحض حجة الخصم، حيث يقتطع الطرف الأول من كلام الخصم أو سلوكه جزءً ويعرضه خارجًا عن سياقه ليقدم صورة مشوهة وغير حقيقية عن فكرة الخصم أو مشروعه أو منهجه. وبعد أن يثبت الصورة المزيفة في ذهن المتابع كممثل للخصم يهاجم تلك الصورة غير الحقيقية ليكسب الجولة ويهزم خصمه.
من أوضح الأمثلة على هذا النوع من التزييف وخلق صورة مشوهة للخصم تمهيدًا لهزيمته أو القضاء عليه تلك الصورة التي يجهد الغرب وأدواته في رسمها للإسلاميين( وأحيانًا للمسلمين) في أذهان شعوبهم وشعوب المنطقة. الخطورة هنا أن التزييف لا يقتصر على اقتطاع جزء من خطاب أو نص ديني أو حدث تاريخي يوضع خارج سياقه، بل يتعدى ذلك إلى إنشاء ودعم ورعاية مجموعات وشخصيات تقدم نفسها كممثل عن الإسلام في صورة تخدم تمامًا أهداف الغرب في تنميط الشخصية الاسلامية بأسلوب ينفر من الإسلام أو بأسلوب يميع الإسلام ويجعله بلا طعم أو أثر.
لا أُنكر أن معظم الأطراف المتصارعة – بما فيها الإسلاميين – يستخدمون هذا الأسلوب في التعامل مع خصومهم بدرجات متفاوتة من قلة النزاهة في رسم صورة مزيفة للخصم، لكنني أدعي أن المخزون الأخلاقي في المرجعية الإسلامية وندرة أدوات التزييف تجعل الإسلاميين أكثر أمانة وأقل تدليسًا عند الحديث عن أخصامهم.
في المجتمعات الإسلامية – كما سواها – هناك نسبة من المتطرفين والجهلة والساقطين أخلاقيًا والمجرمين والمتسلقين، وفي التاريخ الإسلامي هناك نماذج أو أحداث تعتبر نقاطًا أو بقعًا سوداء في صفحة التاريخ الإسلامي البيضاء( وأدعي مرة أخرى أن صفحة التاريخ الإسلامي هي الأنصع بالمقارنة مع تاريخ الأمم الأخرى). يأتي الإعلام الغربي وأدواته في المنطقة ليسلط الضوء باستمرار على تلك البقع والشخصيات المتطرفة والمتسلقة ليرسم في ذهن المتابع صورة مزيفة عن الإسلام والمسلمين تجعله ينفر من الإسلام وأهله. تمامًا كما يحصل من اجتماع عدد كبير من الجهات لشيطنة حركة إسلامية عالمية وتقديمها بصورة مزيفة في محاولة لإسقاطها من عيون الجماهير قبل أن يتم القضاء عليها في ميادين السياسة والمجتمع.
يحاول اليوم بعض المثقفين العَلمانيين والملحدين – وغيرهم – التعامل مع الدين الإسلامي كثقافة وفكر ووعي جمعي بهذه الطريقة، فيبحثون عن أكثر النصوص الدينية غرابة، وأكثر الحوادث التاريخية قساوة وأكثر المعارك دموية وأكثر الشخصيات تطرفًا، ويركزون على سقطات المتدينيين وأخطاء المعممين وهفوات المفكرين وعثرات السياسيين الإسلاميين ليرسموا من خلالها صورة مشوهة للإسلام كمرجعية عاجزة – أو فاشلة – في قيادة السياسة أو المجتمع ثم يهاجموا تلك الصورة التي رسموها بأيديهم ووسائل إعلامهم.
الحالة الأخطر من مغالطة رجل القش تحصل عندما تُرسم الصورة المزيفة على يد ممثلين للدين لهم أتباع كثر قدموا الدين بشكل مشوه ومنفر ومغاير لحقيقته ومتناقض مع خطه العام بسبب جهلهم وسقم عقولهم وقصور نظرهم عن قراءة الواقع بشكل جيد ورؤية الكليات العامة وفهم المقاصد الكبيرة والأهداف العظيمة للدين في الحياة. في هذه الحالة نحن من صنع رجل القش وقدمه لأعداء الإسلام على طبق من ذهب لنفث سمومهم وإظهار بطولاتهم الخلبية في التغلب على خصمهم.
أمام هذا الواقع يقع على عاتقنا كأفراد ومؤسسات واجب تقديم الصورة الصحيحة عن ثقافتنا وديننا . أولًا عبر السلوك الذي يقدم للآخرين نموذجًا حقيقيًا عن الشخصية الإسلامية. هذا النموذج يتلخص بالخلطة السحرية ( نجاح + أخلاق ) والتي يجب أن تلازم الشخصية الإسلامية كمكون بنيوي من مكونات تلك الشخصية في أي مجال من مجالات العمل .. وثانيا عبر كل وسائل الاعلام والتواصل المتاحة، حيث يتوجب على كل من يمتلك إمكانات أدبية أو فكرية أو إعلامية أن يستخدم منبره لتقديم الصورة الحقيقية عن الإسلام ( السياسي والثقافي والحضاري والإنساني) وأقصد بالصورة الحقيقية ( محتوى أخلاقي يشكل جوهر الدين وأساسه، وعبادات تشكل هوية المسلم، ومنهج شامل متماسك يقدم الحلول لمعظم التحديات الفردية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات البشرية ويجيب عن الأسئلة الوجودية التي تشكل هاجسًا لدى معظم البشر ) .هذا الواجب مهم للغاية ويقع على عاتق كل غيور يمتلك منبرًا أو قدرة على التأثير، ذلك أن تشويه الصورة وشيطنتها ليس سوى مرحلة تمهيدية للقادم الأسوأ. فمشروع أعداء الإسلام لا ينتهي إلا بالقضاء عليه واستئصاله أو استبداله بنسخة ممسوخة يسهل التحكم بها وترويضها وتوجيهها حسب مصالح أعداء الإسلام في الداخل والخارج.
إنهم يريدونه إسلامًا منزوع الدسم. إسلامًا بلا محتوى. إسلامًا بلا أظافر. إسلامًا بلا أدوات. إسلامًا بلا طموح. إسلامًا بلا معنى وخطوتهم الأولى نحو هذا الهدف هو صناعة صورة مزيفة له في وعي الجماهير.
المصدر: اشراق