مع اندلاع انتفاضة الأقصى الفلسطينية الشاملة وبدء عدوان صهيوني جديد على غزة والمواجهات الدامية فيها أدت إلى استشهاد أكثر من مئتي فلسطيني عدا الدمار الهائل والتهجير الجماعي الكثيف؛ تساءل كثيرون عن موقف ” حزب الله ” في لبنان وفيلق القدس الإيراني مما يجري مستغربين عدم تدخلهم العسكري لنصرة فلسطين وتخفيف الضغط العسكري عن أهل غزة.
إن نظرة موضوعية لواقع الحال كفيل بتحديد الموقف الواضح والإبتعاد عن الإنفعالات العاطفية المنفصلة عن الواقع والتي من شأنها أن تجلب الأذى النفسي المؤدي إلى الإحباط وتوقع النتائج المغلوطة التي تربك الحركة الرشيدة في الإتجاه السليم المجدي الفاعل.
وحتى نستطيع معرفة ما قد يفعله حزب الله يلزم معرفة ماهيته وماهية عقيدته القتالية وماهية أهدافه الإستراتيجية في المنطقة وإلى أي مدى وفي أي مجال يملك زمام أموره وقدرته على الحركة وإتخاذ المواقف المصيرية المؤثرة في مجريات الأحداث..؟؟
١ – بالإستناد إلى الوثائق الرسمية لحزب الله في لبنان فهو ” جزء من دولة ولاية الفقيه الإسلامية في إيران ” ..ليس هذا سرًا وقيادات الحزب تردده على أسماع الجميع علانية..لا بل تفتخر به وتتماهى معه في كل جوانب حياتها وعملها وتثقيفها لكوادر وعناصر ومقاتلي الحزب..
ثم إن الأمين العام للحزب أعلن بكل الوضوح التفصيلي اللازم ما يؤكد هذا ويفصله. فقال : نحن نتلقى كل مقومات عملنا واستمرارنا من إيران..أكلنا وشربنا وأموالنا وتسليحنا كلها من إيران ..
إستنادا إلى هذا فمن البديهي جدا القول أن قرار حزب الله يصدر في طهران..وليس هذا سرا أيضا ولا هو مما يدعوهم إلى إخفائه أو المواربة عليه..
إذن فمواقف حزب الله الإستراتيجية والأساسية تتصل عضويًا بالسياسة الإيرانية وأهدافها الإستراتيجية في المنطقة العربية..كذلك موقفها العملي الحقيقي من قضية فلسطين العربية..
ومن أجل معرفة حقيقة موقف الحزب من العدوان على فلسطين يلزمنا فهم المشروع الإيراني في بلادنا العربية..
٢ – ليس في أدبيات ووثائق حزب الله أية إشارة إلى مسألتين أساسيتين في إطار الإنتماء والهوية ..وهما وعلى ضوئهما تتحدد الولاءات ..
– الوطنية اللبنانية .
– الهوية العربية.
الحزب لم يقل يوما أنه تنظيم وطني لبناني..فصيل لبناني يتخذ من المواقف ما يراه مناسبا…أبدا..فهو لا يعترف بالوطنية اللبنانية ولا ينتمي إليها لأنه جزء من دولة ولاية الفقيه الاسلامية الإيرانية وهي التي تحدد له هويته وولاءه..
أما على مستوى الهوية فهو لا يعترف أبدا باية صلة له بتلك الهوية العربية.. وبكل العروبة وما يتصل بها ويتفرع عنها..لا وجود حتى لكلمة العروبة في أي من أدبياته وإعلامه ووثائقه ؛ أية إشارة للعروبة أو الهوية العربية..فهو لذلك ليس لديه أي ولاء للعروبة لانه لا يعترف بها بل يتنصل منها على أساس من إنتمائه وولائه لدولة ولاية الفقيه..
فهو إذن ذراع إيرانية تعمل في نطاق إمتداد مشروعها القومي الفارسي ورقعته الجغرافية أي المنطقة العربية ، وفقا لإستراتيجيتها فيها وطبقا لما تريده منها وما تمارسه لخدمة مصالحها وأهدافها .
٣ – في حرب ٢٠٠٦ وعدوان العدو الصهيوني على لبنان؛ كان الإتفاق الذي أنهى الحرب بين حزب الله والعدو برعاية امريكية..وفيه ثلاثة بنود أساسية :
١- يتولى حزب الله ضمان أمن الحدود الجنوبية للبنان.
٢ – إدماج منظومة الحزب بالنظام اللبناني بما هو عليه من محاصصة طائفية ومذهبية .
٣ – السماح لميليشيات الحزب بدور عسكري وأمني في البلدان العربية المحيطة وهو ما ترجم بالتدخل في سورية لصالح النظام السوري كما في العراق واليمن…
وهذا ما حصل وتثبته مجريات الأحداث طيلة ١٥ سنة متواصلة..فالحدود الجنوبية آمنة تماما والحزب صار الطرف الأقوى في السلطة الفاسدة بل حاميا لها رغم كل ما حصل لها.. (( وهي التسوية التي توجت بالتحالف مع التيار الوطني الحر – أي العونيين – ثم تعيين العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية ))…
كان تدخله في سورية مساهما في حماية النظام والأخطر دوره الأساسي في تهجير أعداد ضخمة من أبناء المدن والقرى العربية السورية وإطلاق حملات كثيفة لتعميم ” التشيع ” الصفوي وفقا لنظريات ولاية الفقيه التي ترفضها الكثير من المراجع الشيعية العربية..
٤ – منذ إنتهاء حرب ٢٠٠٦ ومواقف الحزب واضحة تماما وعلى لسان أمينه العام شخصيا ومفادها : سنرد إذا هاجمتنا ” إسرائيل “..إذا إعتدت علينا سنرد عليها بقوة..يعني هذا تخليا تاما عن أية مسؤولية تجاه فلسطين ..فهو ليس معنيا باي رد إلا إذا ضربته قوات العدو مباشرة وفي لبنان فقط..
وعلى الرغم من ضربات إسرائيلية عديدة لقواته في سورية إلا أنه لم يرد على أي منها..
٥ – كانت حجة الحزب للاحتفاظ بسلاحه وقوته العسكرية في لبنان أن أرضا لبنانية لا تزال محتلة ويقصد مزارع شبعا..وعلى الرغم من قصفها من قبل العدو مؤخرا إلا أنه لم يرد عليها أبدا..
لكنها ما تزال حجته للاحتفاظ بالسلاح الخاص رغم المطالبات الكثيرة بان يكون الجيش اللبناني هو القوة المسلحة الامنية الوحيدة..
٦ – وفقا لنظرية ولاية الفقيه الإيرانية ، يقرن حزب الله بين ما يسميه ” المقاومة ” وبين التشيع ..واي تشيع ؟؟ التشيع الصفوي التي تنبثق منه ولاية الفقيه وما يرتبط بها ويتفرع عنها…وهو كما سبق يرفضه ولا يعترف به كثير من الشيعة العرب ومرجعياتهم الدينية..
وعلى هذا الأساس فإن الحزب ؛ ومثله الميليشيات المذهبية الأخرى المرتبطة بإيران ؛ يشترط تشييع الوسط المسلم الذي يدخل إليه أو يحتله ويمارس سلطته عليه..يتضح هذا من عمليات التشييع الواسعة القائمة والمتسارعة في سورية حيثما تتواجد ميليشياته ..وادواته لذلك الاموال الكبيرة التي ينفقها في إنشاء مراكز ثقافية وإجتماعية تغطي سياسات إيران في المنطقة وتنفيذ تهجير سكاني ممنهج يتكامل مع ما ترسمه إيران للسيطرة على المنطقة العربية وتغيير هويتها وطبيعتها السكانية التاريخية..وإستغلال البطالة والفقر للكثيرين ممن يعانون ظروفا حياتية عسيرة..
حتى إن العناصر المسلمة التي إرتبطت ” بسرايا المقاومة ” فقد فرض عليها إلتزام التشيع الصفوي أيضا…وبما انه لا يوجد شيعة فلسطينيون ؟ فما العمل ؟؟؟
٧ – إن العقيدة القتالية للتشيع الصفوي كما تفهمه وتمارسه ميليشيات وأذرع إيران العسكرية في كل اماكن تواجدها ؛ تقوم على مناصبة العداء لمن يسمونهم ” السنة ” الذين قتلوا الحسين إبن الإمام علي عليه السلام وعلى ضرورة الثأر لدم الحسين..هذا ما يعلنونه أيضا فلا يخفونه ولا يخجلون منه..ولهذا فإن الغالبية الأساسية من معاركهم ، كانت ضد مجموعات بشرية ” سنية ” في كل من العراق وسورية ولبنان..فهم العدو الذي تتم التعبئة القتالية ضدهم..بناء عليه إرتدت إحتفالات كربلاء زخما مذهبيا تحريضيا ضد قاتلي الحسين أضعافا مضاعفة عما كانت عليه قبل الحكم الديني لولاية الفقيه في إيران…
وفيما يخص فلسطين فليس لها أية خصوصية في عقيدتهم ولا قدسية للمسجد الأقصى بالنسبة إليهم..
٨ – ما هو مشروع إيران في المنطقة العربية :
لا يحتاج المرء إلى تحليل أو إستقراء؛ يكفي فقط إستعراض عشرات التصريحات الرسمية الإيرانية التي تعتبر العراق كله وسورية ولبنان جزءا من الإمبراطورية الفارسية التي يطمحون لإعادة بنائها على أنقاض العروبة التي هزمتهم بالإسلام..لذا فعدوهم الأساسي هو الإسلام العربي التوحيدي الجامع…وهذا ما يفسر تعاونهم مع أميركا في العراق ومع اميركا وروسيا في سورية ومع اميركا وبريطانيا في اليمن كما مع الكيان الصهيوني إبان حربهم ضد العراق في ثمانينات القرن العشرين..
٩ – في خضم أحداث سورية الدامية صرح الأمين العام لحزب الله رسميا بأن طريق القدس يمر في القصير والزبداني والقلمون وداريا و……
وجميعها مناطق ذات صفة ” سنية ” مذهبيا وتولى الحزب تهجير من بقي حيا من اهلها ومنعت عودتهم إليها حتى اليوم..تحت حجة أنهم إرهابيون على الرغم من إنكشاف تعاونه مع الإرهابيين الحقيقيين حلفائه الدواعش الذين نقلهم من جرود عرسال اللبنانية معززين في باصات خضراء مكيفة..
وهذا يعني بوضوح أنه ليس في وارد خوض أية معركة مع أي طرف بخصوص القدس قبل أن ينتهي تماما خطر الإرهابيين في سورية والعراق ولبنان وربما أيضا في إفريقيا أو أميركا اللاتينية والله أعلم..
١٠ – يتضح من كل هذا أنه ليس في وارد حزب الله فتح جبهة لبنان الجنوبية ضد عدونا الصهيوني للتخفيف عن شعب فلسطين العربي والتضامن معه ومساعدته في تحرير أرضه وتحرير القدس التي شكلت لها إيران فيلقا خاصا بإسمها يتولى القتال في كل مكان من الأرض العربية ضد أهلها العرب وليس في فلسطين المحتلة أبدا ولا حتى ضد العدو الصهيوني ولو في أي مكان من العالم..
أما الصوت المرتفع حديثا عن القدس والرد الحاسم والتحرير وتدمير تل ابيب خلال دقائق فليس إلا حديثا للإستثمار الشعبي والسياسي تفعيلا للمشروع الإيراني الحاقد على العرب الطامع في أمتهم..
فلا يأملن أحد بان يبادر حزب الله بالمشاركة القتالية إلى جانب الفلسطينيين ..فلا داعي للتساؤل أو الإستغراب أو حتى الإفتراض فإن ” لو ” تدخل عمل الشيطان ، طالما أنهم يقولون بألسنتهم ويفعلون بأيديهم ما يثبت به ما يريدون وما يهدفون إليه.
أما وأن إيران تقدم مساعدات لمنظمة حماس الفلسطينية التي تقاوم ” إسرائيل ” التي تتعاون مع إيران في أكثر من موقع عربي فذاك ما يحتاج إلى حديث آخر.