تتزايد الاستهدافات للعربات وبعض الأرتال العسكرية التركية في محافظة إدلب، شمال غرب سورية، والتي وقع آخرها يوم الإثنين الماضي، ما يثير التساؤلات حول إمكانية تحرك أنقرة لاتخاذ إجراءات من أجل تفادي وقوع مزيد من الهجمات ضدّ قواتها، حمايةً لجنودها ولتواجدها العسكري في المنطقة. غير أن بقاء تلك الهجمات مجهولة المصدر لغاية اليوم، قد يصعّب هذه المهمة على تركيا، لجهة التخطيط لها، وتحديد الجهة أو الجهات المستهدفة لقواتها في إدلب، ليتمّ التعامل معها على هذا الأساس.
ومنذ إبرام وقف إطلاق النار في إدلب بين أنقرة وموسكو مطلع مارس/آذار 2020، والذي أنهى العمليات القتالية بين كل من قوات المعارضة السورية والجيش التركي من جهة، وقوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها والمدعومة من إيران من جهة ثانية، عزّزت تركيا تواجدها العسكري في إدلب، سواء في قواعدها الرئيسية في عمق المحافظة السورية، أو على نقاطها عند خطوط التماس والاشتباك مع قوات النظام وحلفائها، وبات للجنود الأتراك ومدرعاتهم وعرباتهم ظهور واضح في العديد من المدن والبلدات في إدلب ومحيطها. وأمس الجمعة، أمدت تركيا قواتها المنتشرة في شمالي غرب سورية، بمزيد من التعزيزات. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن تعزيزات لوجستية تركية مكونة من 20 شاحنة، محملة بكتل إسمنتية ومنصفات طرقات، وصلت فجر أمس إلى النقاط العسكرية التركية في إدلب.
وكون الاتفاق التركي – الروسي لم يرضِ أطرافاً عسكرية ومسلحة في سورية توصف بالمتشددة والراديكالية، تعرضت الدوريات الروسية – التركية، والتي كان تسييرها على الطريق الدولي حلب – اللاذقية (أم 4) المار من إدلب، جزءاً من الاتفاق، للعديد من الهجمات من قبل جهات معلومة – مجهولة في آن، إذ تتبنى تلك الهجمات جهات تحمل مسميات لها دلالات “جهادية”، لكن من دون أن تكون معروفة من قبل، أو تملك انتشاراً فعلياً على الأرض سابقاً أو حالياً. وآخر تلك الهجمات التي وقعت الإثنين الماضي، تمثلت باستهداف رتل تركي قرب معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، ما أدى إلى مقتل ضابط تركي، وجرح عناصر آخرين.
وتطرق وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أخيراً، إلى احتمال تعامل أنقرة مع هذه الهجمات، بإعلانه أن بلاده ستنتقم للضابط الذي قُتل في هجوم الإثنين الماضي، وذلك في كلمة له خلال اجتماع عقده يوم الأربعاء الماضي، مع قادة الوحدات العسكرية التركية على الحدود وخارج البلاد، عبر تقنية الاتصال المرئي، عقب إجرائه جولة تفقدية إلى الوحدات الحدودية في ولاية هطاي، جنوبي تركيا، والمحاذية لإدلب. وأكد أكار أنه “يجب على كافة الأطراف الساعية للقضاء على الأمن والاستقرار في إدلب السورية، أن تتمتع بالعقلانية”، مضيفاً: “سنواصل نضالنا ضدهم إلى النهاية”. ولفت أكار إلى أن المنطقة (إدلب) “تمر بمرحلة حسّاسة جداً”، مؤكداً متابعة بلاده لكافة التطورات عن كثب، واتخاذها كافة التدابير اللازمة بشكل استباقي. ونوّه الوزير التركي إلى أن بلاده تسعى للحفاظ على الأمن والاستقرار وضمان وقف إطلاق النار في شمالي سورية، وستواصل سعيها لذلك. وأعلن أن تركيا “انتقمت لكافة جنودها حتى اليوم، وستنتقم للملازم الذي قُتل الإثنين”.
وتعليقاً على احتمال ردّ أنقرة، أشار الصحافي والمحلل السياسي التركي، هشام جوناي، إلى أن “تركيا تعتبر محافظة إدلب السورية منطقة استراتيجية جداً بالنسبة إليها، وهي تسعى لإبقاء قواتها فيها، أولاً لحماية حدودها من أي هجمات إرهابية من قبل الجماعات المتشددة المنتشرة هناك، وثانياً للحفاظ على المدنيين الذين يتعرّضون لاعتداءات من قبل قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران، من خلال الخروقات المتكررة لوقف النار، وبناء على ذلك، فإن تركيا تعتبر بقاء قواتها في إدلب رادعاً لقوات النظام والمليشيات الحليفة لها”. وأضاف جوناي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “روسيا تطالب أنقرة بالقضاء على المجموعات الإرهابية في إدلب، وهو عهد قطعته تركيا على نفسها أمام الروس، سواء في سوتشي أو أستانة، وفي هذا الإطار تصب تصريحات وزير الدفاع التركي، بالإبقاء على القوات التركية في المنطقة، للقضاء على الجماعات الإرهابية، وله هدف رئيسي هو حماية المصالح التركية”.
وكانت جماعة تطلق على نفسها اسم “سرّية أنصار أبي بكر الصديق”، قد تبنت الهجوم الأخير الذي تعرّض له الرتل التركي، مبررة إياه بالرد على قيام عربة تركية بدهس طفلة في إدلب قبل أيام من الاستهداف، ما أدى إلى وفاتها. ولم يسجل لهذه الجماعة أي حضور على أرض الميدان في صفوف المعارضة السورية، إلا أنها كانت قد تبنت في السابق استهداف الدوريات الروسية – التركية المشتركة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية، إلى جانب جماعات أخرى، مجهولة التبعية والحضور أيضاً، كـ”كتائب مروان حديد” و”كتائب خطاب الشيشاني”. ويفتح ذلك احتمال وقوف جهات تعادي الوجود التركي في إدلب وراء تلك التنظيمات التي يُعتقد أنها وهمية، إذ تتجه أصابع الاتهام نحو النظام وإيران في المقام الأول، وإلى روسيا أيضاً.
وفي هذا السياق، أشار الباحث والخبير في شؤون الجماعات “الجهادية” عباس شريفة، إلى أن تصريحات أكار “حملت إشارات مبطنة بأن استهداف الرتل التركي قبل أيام، لم يكن بمعزل عن تدبير خارجي، باعتبار أن هناك محاولة من قبل أطراف خارجية، ربما يكون النظام وإيران وروسيا من بينها، لاستهداف الجنود الأتراك عبر أدوات محلية، خصوصاً أن الجهة التي تبنّت العملية غير معروفة من بين تلك التي نشطت أو لا تزال تنشط في إدلب، كـ”حراس الدين” أو “جند الأقصى” أو “داعش”.
وأضاف شريفة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن تصريحات الوزير التركي “تؤكد عزم أنقرة على فرض الأمن في إدلب، وأن تكون منطقة استقرار ورفض لأي عملية تصعيد، سواء من خلال أدوات مجهولة أو من خلال هجمات وعمليات عسكرية تقوم بها قوات النظام وروسيا وإيران، وهذا الأمر يشكل أحد ثوابت السياسة التركية تجاه سورية عموماً، وتجاه إدلب على وجه الخصوص، وهو ما دفع الوزير التركي للتوعد بملاحقة هذا الجماعات التي تستهدف قوات بلاده، تحقيقاً لهذه الاستراتيجية”.
المصدر: العربي الجديد