المشيعون في كربلاء هتفوا ضد إيران وحلفائها متهمين إياها بالوقوف وراء عمليات القتل المتكررة وصحافي آخر يتعرض لإطلاق نار.
بعد توقف عمليات الاغتيال ضد الناشطين البارزين في احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) في العراق، جاء اغتيال مسؤول تنسيقية كربلاء للاحتجاج الشعبي إيهاب الوزني، بعد منتصف ليلة السبت – الأحد 8-9 مايو (أيار) الحالي، ليمثّل تصعيداً جديداً ضد الناشطين الرافضين للتدخل الإيراني عبر الجماعات والميليشيات الموالية لها.
واغتيل الوزني أثناء عودته إلى منزله بسيارته الخاصة في حي الأحباب بمدينة كربلاء على يد مسلحَين صورتهما كاميرات المراقبة وهما يستقلان دراجة نارية، ليطلقا النار عليه من أسلحة كاتمة للصوت، لدى عودته من اجتماع سياسي لشباب الانتفاضة العراقية في المدينة، يهدف إلى زيادة زخم الاحتجاجات لتحقيق مطالب عدة أهمها القضاء على السلاح المنفلت لدى الميليشيات الموالية لإيران وتنظيم انتخابات بإشراف دولي لمنع تعرّضها للتزوير.
وكان الوزني خاطب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على صفحته بموقع “فيسبوك” في فبراير (شباط) الماضي، قائلاً “هل تدري ما يحدث؟ هل تعلم أنهم يخطفون ويقتلون أم أنك تعيش في بلد آخر؟”.
بعد الوزني… محاولة اغتيال أحمد حسن
ولاحقاً، أصيب الصحافي العراقي أحمد حسن بجروح خطرة نتيجة تعرّضه لمحاولة اغتيال بالرصاص في الديوانية (جنوب) فجر اليوم الإثنين، بعد 24 ساعة على مقتل الوزني، بحسب مصادر طبية وشهود.
وقال طبيب لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ الصحافي يرقد في العناية الفائقة بعدما “أصيب برصاصتين في رأسه وبرصاصة ثالثة في كتفه”، في حين قال شاهد عيان كان برفقة حسن حين تعرّض لمحاولة الاغتيال إنّ الصحافي “استُهدف أثناء نزوله من سيارته للعودة إلى منزله”.
ونُفّذت غالبية الاغتيالات التي استهدفت ناشطين محليين وسياسيين معارضين لإيران ومناصريها في العراق، بدراجات نارية وبمسدسات كاتمة للصوت ورشاشات قرب منازلهم أو منازل أقرباء لهم، كما حدث في يوليو (تموز) الماضي، مع الخبير الأمني الراحل هشام الهاشمي أمام منزله في منطقة زيونة شرق بغداد.
وشهدت مدينة الحلة التي تبعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة، في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي، اغتيال الناشط البارز في تظاهرات بابل أحمد سعدون الشاكري على يد مسلحين مجهولين، ولم يُكشف حتى الآن عن الجهة المنفذة.
تصعيد احتجاجي
وأدى مقتل الوزني إلى خروج تظاهرات كبيرة في مدن كربلاء والنجف والناصرية ذات الغالبية الشيعية منددةً بمقتله، واتهمت الجماعات الموالية لإيران بالوقوف وراء الحادث، مطالبةً السلطات العراقية بالعمل على الكشف عن القتلة وعدم تشكيل لجان جديدة للتحقيق من دون نتائج تُذكر.
وأغلق المتظاهرون شوارع رئيسة في هذه المدن أمام سير المركبات وطالبوا المجتمع العراقي بمقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها، إلى حين توفير الأجواء الآمنة لإقامتها بعيداً من سيطرة الميليشيات والجماعات المسلحة.
التنديد بإيران
وخلال تشييع الوزني في مدينة كربلاء، هتف المشيعون ضد إيران وحلفائها، متهمين طهران بالوقوف وراء عمليات الاغتيال المتكررة، مطالبين بإسقاط النظام الحالي في العراق والقيام بثورة كبيرة لتحقيق ذلك.
تنديد ومطالبة بالكشف عن الفاعلين
من جهته، أمر الكاظمي أجهزة وزارة الداخلية بالكشف بسرعة عن قتلة الناشط المدني إيهاب جواد الوزني، واصفاً إياهم بأنهم “موغلون في الجريمة وواهم مَن يتصور أنهم سيفلتون من قبضة العدالة”.
وأكد الكاظمي أن “الحكومة ستلاحق القتلة وتقتص من كل مجرم سوّلت له نفسه العبث بالأمن العام”، مشيراً إلى أن “المجرمين أفلسوا من محاولات خلق الفوضى واتجهوا إلى استهداف النشطاء العُزّل”.
من جانبه، أكد محافظ كربلاء نصيف الخطابي أن القوات الأمنية في المحافظة وُضعت في حال الإنذار والانتشار لملاحقة مرتكبي اغتيال الناشط إيهاب الوزني.
ضعف المنظومة الأمنية
واعتبرت مفوضية حقوق الإنسان ما حصل في كربلاء دليلاً على ضعف المنظومة الأمنية في حماية الناشطين، ما اضطر عدد منهم إلى مغادرة العراق، مشيرةً إلى أن المتبقّين “أصبحوا فريسة لهذه الحوادث المأساوية”.
وطالبت المفوضية، رئيس الوزراء العراقي “باتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الناشطين والإعلاميين والمدوّنين وأصحاب الكلمة الحرة، وتقديم الجناة للعدالة وتعزيز الجهد الأمني والاستخباراتي”، مؤكدةً على ضرورة أن “تكون التحقيقات عاجلة وأن تعلَن للرأي العام مباشرةً وأن لا يتم إهمالها كسابقاتها مثل حادثة استشهاد الصحافي هشام الهاشمي”.
بدوره، ندّد زعيم “تيار الحكمة” و”تحالف قوى الدولة” عمار الحكيم بعملية الاغتيال وطالب السلطات بالكشف عن الجهات المنفذة.
واشنطن ولندن تعدّانه أمراً غير مقبول
من جهة أخرى، أكدت السفارة الأميركية في العراق في بيان أن “الولايات المتحدة تدين وبأشد العبارات مقتل إيهاب الوزني”، مبيّنةً أن “تكميم الأفواه المستقلة من خلال انتهاج العنف أمر غير مقبول بتاتاً”.
كذلك دان السفير البريطاني في العراق ستيفن هيكي، في تغريدة على “تويتر” مقتل الوزني، مشيراً إلى أن “الإفلات من العقاب في مقتل النشطاء منذ أكتوبر 2019 لم يؤدِّ إلا إلى مزيد من القتل”.
مقاطعة الانتخابات
وأعلن النائب المستقل فائق الشيخ علي انسحابه من الانتخابات البرلمانية المقبلة عقب مقتل الوزني، داعياً من أسماهم بـ”شباب تشرين” إلى مقاطعتها والثورة ضد إيران وحلفائها لتحرير العراق من وجودهم.
وكان الوزني أحد مرشحي “قائمة تمدن” التي يقودها الشيخ علي في انتخابات عام 2018 وأحد المقربين من توجهاته المدنية لعمل الدولة العراقية، بعيداً من الطائفية والتدخلات الإيرانية.
كما دعا حزب البيت الوطني الذي يُعدّ أحد الأحزاب التي خرجت من رحم التظاهرات عام 2019 ويسعى إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة إلى مقاطعة الاقتراع والنظام السياسي بالكامل، متسائلاً عن كيفية إمكانية تنظيم الحكومة للاستحقاق الانتخابي بأجواء آمنة في ظل وجود أسلحة كاتمة للصوت وعبوات ناسفة.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر 2019، اغتيل 30 ناشطاً وخُطف العشرات بطرق شتى ولفترات قصيرة، كما قُتل 700 متظاهر وأُصيب 20 ألفاً تقريباً خلال قمع التظاهرات، وفق إحصاءات شبه رسمية.
وكانت حكومة مصطفى الكاظمي نجحت في الحد من زخم الاعتصامات في عموم العراق، خصوصاً في بغداد بعدما أقنعت غالبية قادة التظاهرات بالانضمام إلى كيانات سياسية جديدة ستشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة بهدف ترك الشارع وتوسيع مشاركة الشباب في العملية السياسية والتخفيف من حدة إجماع الشارع العراقي الرافض لهذه العملية بعد فشلها في تحقيق تقدّم يُذكر في معظم المجالات.
المصدر: أندبندنت عربية