لم تكن إشارة المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي في خطابه يوم الجمعة 8 يناير (كانون ثاني) 2021 إلى القانون الذي أقره البرلمان تحت عنوان “الخطوات الاستراتيجية لإلغاء العقوبات”، مجرد إشارة إلى موافقته على هذا القانون ودعمه له على الرغم من الاعتراضات التي صدرت عن حكومة الرئيس حسن روحاني والسلطة التنفيذية لجهة عدم استشارتها في النقاشات التي سبقت قرار البرلمان وحصر صلاحياتها ودورها فقط في التنفيذ وإصدار المراسيم التطبيقية. فهذه الإشارة شكلت رسالة واضحة إلى الأطراف الدولية التي ما زالت تبدي اهتماماً للإبقاء على هذا الاتفاق حياً، تحديداً الإدارة الأميركية الجديدة، بأن الفرصة باتت ضيقة أمام البيت الأبيض لاتخاذ خطوات عملية لتطبيق ما سبق أن تبنته من نوايا للعودة إلى الاتفاق وإعادة تفعيله وإقفال الباب على المرحلة التي رافقت وجود الرئيس دونالد ترمب في سدة الرئاسة والقرار.
فالمرشد، وضع خريطة طريق أمام إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن المنتظرة والإيجابية التي أبدتها حول التعامل مع الاتفاق النووي. فهو في الوقت الذي لم يذهب إلى موقف “أصولي” أو مبدئي من الاتفاق وإمكانية الخروج منه، ترك الباب موارباً بناء على المعطيات التي ستفرزها المرحلة المقبلة، والتي يمكن القول إنه حدد إطارها الزمني بالمدة التي جاءت في القانون السالف وألزم الحكومة البدء بإجراءات الانسحاب من الاتفاق، من خلال اللجوء إلى رفع مستويات التخصيب إلى ما فوق 20 في المئة وزيادة كمية المخزون من اليورانيوم المخصب، بما يقتضيه ذلك من تركيب أعداد كبيرة من أجهزة الطرد المركزي، فضلاً عن تنشيط العمل لإعادة تشغيل مفاعل أراك للماء الثقيل وإنتاج البلوتونيوم.
خامنئي رسم خريطة طريق إيرانية لأي عملية تفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة يمكن تلخيصها بأربع نقاط:
1 – رفع العقوبات الاقتصادية وإلغاء كل القرارات التنفيذية الصادرة عن إدارات البيت الأبيض.
2 – العودة إلى الاتفاق النووي على مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة” وما تعنيه من تراجع طهران عن خطوات خفض التزاماتها النووية، مقابل تحويل الموافقة على الاتفاق من قرار رئاسي إلى صيغة قانونية عبر الكونغرس الأميركي.
3 – لا تراجع عن دعم الحلفاء والأصدقاء في الإقليم، بالتالي التمسك بالدور والنفوذ الإقليمي كورقة تؤسس لتكريس إيران لاعباً إقليمياً إلى جانب اللاعبين الآخرين.
4 – لا حديث عن البرنامج الصاروخي لما يمثله من سلاح ردعي في مواجهة التهديدات الأميركية والإقليمية، بالتالي بما يمثله من سلاح يعزز دور النظام الإقليمي.
خريطة الطريق هذه تسعى إلى وضع الإدارة الأميركية الجديدة أمام واحد من خيارين سيرسمان مستقبل التعامل والعلاقة بينهما، بما فيها الحوارات والمفاوضات على حدود المسموح وغير المسموح التي قد توضع على طاولة التفاوض بينهما.
فالخيار الأول الذي حدده خامنئي لواشنطن، يقوم على البدء أولاً برفع وإلغاء العقوبات التي فرضتها الإدارة السابقة وكل القرارات التنفيذية التي أصدرها ترمب، وتسهيل العلميات المالية والتجارية بمختلف مستوياتها، خصوصاً في القطاع النفطي والحصول على عائدات هذا القطاع الحيوي من دون أي عراقيل وبما يؤكد عودة إيران إلى النظام المالي العالمي من دون عوائق. ثم ثانياً العودة إلى تنفيذ بنود الاتفاق النووي تحت سقف “خطوة مقابل خطوة” ومشترطاً أن تكون هذه الخطوات معززة بغطاء قانوني من الإدارة العميقة للدولة و”تصديق” واضح من الكونغرس وعدم الاكتفاء بتوقيع الرئيس الذي “لا يشكل ضمانة” لوحده، استناداً إلى تجربة التعامل مع ترمب الذي لم يلتزم توقيع الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي بدوره لم يستطِع تمرير الاتفاق في الكونغرس واكتفى بإصداره تحت عنوان بيان رئاسي أو قرار تنفيذي. وإن هذه الخطوة تعتبر مقدمة وإعلان حسن نوايا من واشنطن حول جديتها في الوصول إلى تفاهم مع إيران.
المرشد الإيراني وفي سياق لا يتطابق مع موقف القوى المحافظة والمتشددة، لم يتبنَّ موقفاً سلبياً واضحاً من الاتفاق النووي، بل جعل العودة إليه خطوة لاحقة مرتبطة بإلغاء العقوبات، واضعاً الإدارة الأميركية أمام الخيار الثاني الذي يمهد الطريق للذهاب إلى الخروج من الاتفاق طالما أنه لم يساعد على توفير المصالح الإيرانية في المجالات الاقتصادية والمالية والسياسية، وما يعني قطع أي مسار لإمكانية التوصل مع واشنطن إلى تفاهم يسهم في تخفيف أو الحد من التوتر. وهنا يصبح الذهاب إلى تنفيذ القانون البرلماني أمراً لا مفر منه.
النظام الإيراني ومن خلال السقوف التي رسمها المرشد يبدو أنه لا ينوي تقديم أي تنازلات في أي من الملفات التي بدأت إدارة الرئيس الجديد الحديث عنها وتنوي وضعها على طاولة التفاوض، خصوصاً في ما يتعلق بالبرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي والعلاقة مع حلفاء النظام وأذرعه في المنطقة، وكأنه يريد الحصول على كل شيء من دون أن يقدّم أي شيء. وقد حدد المرشد للمفاوض الإيراني دوائر للتفاوض مع واشنطن، مخرجاً بشكل حاسم موضوع الدور الإقليمي ومسألة الدعم الذي تقدّمه طهران إلى حلفائها “وأصدقائها” في الإقليم من دائرة أي تفاوض، مشدداً على تمسكه والنظام بهذه العلاقة وأهميتها في إطار الاستراتيجية الإقليمية لإيران.
وفي موضوع البرنامج الصاروخي، أعاد خامنئي التأكيد على الدور “الردعي” الذي يشكله هذا السلاح في التصدي للتهديدات التي تعتقد القيادة الإيرانية أنها تمثّل تهديداً، بالتالي فإن التمسك بهذا السلاح يعتبر داعماً وأساساً في تعزيز دورها الإقليمي وأداة ضغط على دول المنطقة واستهدافها في حال انزلقت الأوضاع إلى مواجهات حربية وعسكرية.
المصدر: اندبندنت عربية