هل باتت إيران تدافع – حقاً – عن كبريائها؟

حسن النيفي

شهد اليوم التاسع من المواجهة بين الكيان الصهيوني وإيران (23 من حزيران الجاري) منعطفًا نوعيًا تمثّل في الهجمات الأميريكية التي استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية (فوردو – نطنز – أصفهان)، في خطوة تؤكّد أن واشنطن ليست مجرد داعم استخباري أو عسكري لإسرائيل، بل شريك فعلي في الحرب التي قد يكون نتنياهو هو من أطلق شرارتها.
بل يمكن القول إن ما برع فيه نتنياهو هو إشعال الحروب وتأجيجها، لا أكثر، إذ إنه لا يمتلك القدرة على صياغة مخرجات مناسبة لحروبه. وكلما واجه عجزًا، وجد مخرجًا في إشعال مزيد من الحروب، ومن هنا يمكن الحديث عن دور تكاملي بين إسرائيل وواشنطن، التي يتوجب عليها دوماً إيجاد المخارج المناسبة لحكومة الكيان الصهيوني، بصفتها الجهة التنفيذية للسياسات الأميركية في المنطقة.

وعلى الرغم من تضارب التصريحات الرسمية للإدارة الأميركية، فإنها كانت شديدة الوضوح منذ بداية المواجهات العسكرية، إذ إن هذه الحرب لا تتعلّق بخرق إيران للاتفاق النووي (2015) مع واشنطن، ولا بتخصيب كميات من اليورانيوم أكبر مما حدّدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
فالوكالة الدولية أكدت، في آخر تقرير لها، أن إيران ليست على وشك تصنيع قنبلة نووية. كذلك، ليست الغاية من هذه المواجهات الضغط على إيران للعودة إلى مسار تفاوضي جديد.
ما يريده الرئيس ترمب يمكن اختزاله في ثلاثة مطالب، يتوجّب على إيران الامتثال لها كاملةً، وقد عبّر عنها بوضوح حين قال صراحة: على إيران الاستسلام للشروط الأميركية، وهي:

  1. التخلي المطلق عن فكرة امتلاك السلاح النووي،
  2. التخلّي عن الصواريخ البالستية،
  3. إنهاء نفوذها وأذرعها الإقليمية.

لقد قامت استراتيجية إيران، منذ عام 1979، على شعارات مثل: “الموت لإسرائيل وأميركا”، وتم توجيه مقدّرات الدولة نحو بناء آلة عسكرية ضخمة، وتطويرها، ودعم الأذرع الطائفية في عدد من الدول العربية، وصرف المليارات على شبكات استخبارية وعملاء وقراصنة في مختلف دول العالم.

لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إلى هذه الشروط بوصفها روادع وقائية من خطر إيراني محتمل، سواء على أمن إسرائيل أو المصالح الأميركية في المنطقة، كما لا يمكن اعتبارها مسعى لتغيير النهج السياسي الإيراني.
بل ما هو مؤكد أن الغاية منها هي تقويض العقيدة السياسية – السلطوية لإيران، تلك التي لا ترى وجودها وعظمتها إلا من خلال مفاهيم السطوة العسكرية، واستطالة النفوذ الخارجي، والهيمنة على دول الجوار، عبر زرع الأذرع واستثمار التعبئة الإيديولوجية كذخيرة غير مكلفة وغير قابلة للنفاد في الوقت ذاته.

ولعلّ هذا ما جعل قادة إيران يرون في المطالب الأميركية استفزازًا يمسّ “كبرياء” إيران، التي أكّدت مرارًا استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن بعيدًا عن المساومة على كبريائها، أي على عقيدتها السياسية.

وفي موازاة إصرار إيران على المضيّ في المواجهة، باعتبارها حقًّا مشروعًا في الدفاع عن الذات، تبرز مجموعة من التساؤلات المنبثقة من وقائع هذه الحرب نفسها، لعل أبرزها:

  • أليس استهداف إسرائيل وقتلها مجموعةً رفيعة المستوى من القادة الإيرانيين، وكذلك عددًا من علماء الذرة والخبراء في الطاقة النووية، مساسًا بكبرياء إيران؟
  • هل هؤلاء مجرّد موظفين يمكن استبدالهم متى قُتلوا؟
  • أليس تدمير إسرائيل لكمّ هائل من المنشآت الحيوية ذات الكلفة المادية الضخمة، والتي اقتُطعت من قوت الشعب الإيراني، مساسًا بكبرياء الدولة؟
  • أليس البؤس المعيشي الذي يعانيه المواطن الإيراني، والناتج عن عقوبات طويلة الأمد بسبب السياسات الإيرانية، مساسًا بكبرياء الدولة والسلطة؟

إن جوهر المسألة لا يكمن في التشفي بخسارة أحد الطرفين، ولا في ردّات الفعل العاطفية، التي يمكن تفهّمها، ولكن لا يمكن الركون إليها في رسم المواقف.

وهنا يطرح السؤال الجوهري نفسه:

لماذا تختزل القيادة الإيرانية كبرياء الدولة في عقيدتها السياسية فقط، والمتمثلة بالقوة النووية وامتداد النفوذ، في حين لا تبدي أي اكتراث بمصير ملايين الإيرانيين الذين يموتون، أو يُقتلون، أو يجوعون، أو يُقهرون؟
وهل يتوجب على الشعب الإيراني أن يكون مجرّد وقود لحروب السلطة حتى تحافظ على كبريائها وهيبتها؟
ولماذا تصرّ السلطة على ترسيخ القناعة بأن “كرامة الدولة – أي السلطة –” تستدعي دومًا إذلال المواطن والتغوّل على حقوقه؟

لقد قامت استراتيجية إيران، منذ عام 1979، على شعارات مثل: “الموت لإسرائيل وأميركا”، وتم توجيه مقدّرات الدولة نحو بناء آلة عسكرية ضخمة، وتطويرها، ودعم الأذرع الطائفية في عدد من الدول العربية، وصرف المليارات على شبكات استخبارية وعملاء وقراصنة في مختلف دول العالم.
فلو أن هذه الموارد وُظّفت في مشاريع تنموية ذات مردود مباشر على حياة المواطنين، ولو جعلت رفاه المواطن والوفرة الاقتصادية للدولة مصدرًا لمشروعيتها،
فهل كان ذلك سيُنقص من هيبة الدولة أو كرامة سلطتها؟

ما لا يحتاج إلى تأكيد، أن الطرف الآخر في هذه المواجهة، أي إسرائيل، ليس النموذج النقيض لنظام الملالي في طهران، بل هو أصل الشرّ في المنطقة العربية، وكيان عنصري غاصب تأسس على سفك الدماء واغتصاب الحقوق.
نحن، إذن، أمام كيانين لا يرى أيٌّ منهما ذاته إلا على حساب الآخرين، عبر مصادرة حقوقهم والاستحواذ على مقدّراتهم والتحكّم بمصائرهم.

لذا، فإن جوهر المسألة لا يكمن في التشفي بخسارة أحد الطرفين، ولا في ردّات الفعل العاطفية، التي يمكن تفهّمها، ولكن لا يمكن الركون إليها في رسم المواقف.
إنما المسألة الأهم والأكثر فداحة هي أن هكذا أنظمة لا تنهار إلا بعد أن تترك بلدانها ركامًا من الخراب.
ولنا في النظام السوري مثال ساطع على ذلك، فيما تبقى الشعوب هي الجهة الوحيدة التي تستحق أن تعيش بكرامة.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى