رحل الشيخ عصام العطار، أحد قادة سورية التاريخيين والاستثنائيين، والذين رسخوا حضورا وجدانيا وفكريا لدى شرائح واسعة من الشعب السوري، فحقّ له، رحمه الله رحمة واسعة، هذا التأبين المهيب. عصام العطار أكبر من سيرة ذاتية تستعاد بين حين وآخر، بل هو مدرسة فكرية وسياسية يندر وجودها حاليا، ولا نبالغ بأن كثيرا ممن ينعى الشيخ الجليل والمربي الفاضل لم يكونوا في يوم من الأيام أوفياء لفكره أو مستعدين للتسامح مع ما يقول؛ لذلك عاش منفيا بفعل النظام ومقصيّا عن التأثير بفعل فاعل من معارضيه. لو كانت الحياة عادلة لاستحق الشيخ ومنذ أيام شبابه ألقابا مبكرة وجوائز عديدة في المقاومة غير العنفية ” Nonviolent resistance” والتي ما تزال الدراسات الغربية تقدمه، وبفوقية استشراقية وصفةً معلبة لمجتمعاتنا “المتخلفة” مع إهمال سياقاتنا وخصوصية مجتمعاتنا، فهو القائل بأنه يفضل الوصول إلى السلطة بالطرق السلمية، حتى لو كلفه ذلك الانتظار 500 عام وأن إعداد الأجيال فكريا وسياسيا أجدى وأمضى من إعداد الكتائب المسلحة.
على هذا الأساس، يرفض العديد من الباحثين المنحازين لنظرية الدمج و الاعتدال ” Inclusion-Moderation ” تصنيفَ العطار بكونه المراقب العام السابق أو الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، بل المراقب الأخير، إذ حادت الجماعة بعده عن فكر الشيخ الجليل المؤسس مصطفى السباعي ونحَتْ منحىً يخالف نشأتها الديمقراطية، وهو ما سأتناوله تفصيلا ضمن كتاب يُنشر السنة المقبلة، مع غلبة تيارات أكثر عنفية اعتنقت الفكر القطبيّ “سيّد قطب” وطبقته في سوريا فانقسمت على نفسها وتشتت وترهّلت لعقود من الزمن ولم تستطع ورغم كل محاولاتها الفكرية المتتالية في وثائقها المختلفة، الوصولَ إلى فكر المؤسسين وأقصد الشيخين السباعي والعطار. آمنَ كلا الشيخين إيمانا عميقا بالديمقراطية فكرا وممارسة تم اختبارها بنجاح في محطات عديدة خلال الخمسينات والستينات، إيمان سما على المناكفات والاستقطابات والمصالح الحزبية والشخصية من أجل بناء وطن يتسع لكل التيارات الفكرية إلى درجة أن الشيخ السباعي، رحمه الله، ألف كتابا سمّاه الاشتراكية في الإسلام أو “اشتراكية الإسلام” لم يكن هدفه، وبخلاف بعض القراءات المتسرعة، التأكيد على جذور الاشتراكية في الإسلام بل القول إن الفكر الإسلامي منفتح نتيجة التراكم الحضاري على تجارب سياسية مختلفة وإن نهج القبول والالتقاء أفضل من الصدام والتكفير، وهو نهج عانت منه وما تزال الحركة الإسلامية. باختصار، كانت مفردة “ديمقراطية” ملازمة لكتابات وأحاديث العطار في حدود متابعتي وهو ما جعله مرجعا وطنيا لجميع القوى السياسية السورية بغضّ النظر عن أيديولوجيتها، هذه المفردة الرئيسية ما تزال غائبة نصّا عن أدبيات الحركات الجديدة مقابل حضور مرادفات مواربة لا تغني عن الاعتراف بها. حريٌّ بنا ونحن نتفق على مكانة الشيخ الجليل بعد عودته إلى بارئه أن نستلهم فكره المتقدم والذي هو تجربة امتدت نحو قرن من الزمن لمواجهة الاستقطاب القائم الذي يعتاش عليه الغوغائيون والانتهازيون.
المصدر: صفحة حمزة المصطفى
ليس بالضرورة أن يعبر المقال عن رأي الموقع