مشروع رؤية سياسية للثورة السورية 

أحمد العربي

.2 سوريا في الثورة :

اولا : الشعب السوري.

  1. ان كل ما عاشه المواطن السوري من قهر سياسي واجتماعي واقتصادي وتهميش وإلزامه بحياة قطيعية غرائزية.لم تكن لتلغي حاجته الماسة للحرية والعدالة والكرامة.وكان سلوكه الخانع غطاء يخفي تحته حاجة وإمكانية للرفض والعمل لاسترداد الحقوق .وأن يعيش كل مواطن انسانيته كاملة بما فيها من حقوق وواجبات في دولة تحترم وتخدم شعبها ولا تستعبده..
  2. لذلك ما أن بدأ الربيع العربي في تونس وامتد ليشمل مصر وليبيا واليمن..إلا والشوق والترقب والرهبة مجتمعة اجتاحت الناس في سوريا. تاريخ القمع وخبرة الناس مع السلطة عبر عقود مع تغلغلها في كل تفاصيل الحياة. وحضورها الطاغي والقمعي جعل لسان حال الناس يقول لننتظر حتى يتبين وضع الربيع في بقية بلاد العرب. وخاصة ليبيا لأنها متماثلة لسوريا كنوع السلطة واستجابتها لمطالب الناس. وخاصة انه بدأ يظهر القمع الوحشي لنظام القذافي على الشعب الليبي…
  3. لكن أطفال سوريا وشبابها (درعا) لم يكن يستجيب لتخوفات الناس. وتحرك بخطوات (مجنونه) مستعملة الجدران مدونة تكتب حريتها المفقودة. وكانت استجابة النظام وحشية بحيث أججّت الاندفاعة وامتدت لتعم كل سوريا في وقت قياسي. كان ذلك في 15 آذار من 2011.
  4. ان الثورات في التاريخ هي كسر لميزان القوة والتوازن بين السلطة والمجتمع والثوار يعتمدون على مشروعية مطالبهم وليس ميزان قوتهم أمام النظام (الذي يملك كل شيء). فهم لا يملكون إلا أحلامهم وإرادتهم واستعدادهم للتضحية ومشروعيتهم الرمزية وأنهم يعبرون عن.ضمير الناس وعشقهم للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية واسترداد الحقوق…
  5. لذلك اندفع جموع الشباب .كاسرين حاجز الخوف نازلين للشوارع مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة كانت هذه في مجموعات صغيرة بدأت تتنامى وتتوسع لتشمل عموم الناس الكبار والصغار والنساء والرجال.. كانت تنطلق من المساجد بعد صلاة الجمعة للأهمية الرمزية للمسجد عند شعبنا. ولكونه مكان تجمع طوعي لا يطاله قانون الاستبداد بمنع التجمع واصبح نداء الله أكبر .و حريه حريه نداء معتمدا في الربيع السوري…
  6. أن اندفاعة اغلب شعبنا للربيع السوري. وراءه إحساس متراكم عند شعبنا بالمظلومية في كل مناحي الحياة وعبر عنها بفقدان حرية المواطن وكرامته. مظلومية تطال لقمة العيش الغير موفرة .العمل المفقود والقهر في العلاقة مع أي طرف حكومي في الإحساس بالفقر والتهميش .والغبن الاجتماعي الفساد والثراء الفاحش لأهل السلطة. واستيلائهم على السلطة وكل مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالغربة التي أكلت الأولاد. السجون التي بلعت الاحباب. الامن الذي يتعامل مع المواطن كعبد تحت الاتهام. او الابتزاز او القهر.. كل المواطنين لديهم مظلومية من النظام مادية أو معنوية. جعلتهم يخرجون دون تخطيط ودون ضابط ودون جامع الا انهم مظلومين وطالبي حرية وكرامة وعدالة. وتبلور ذلك بالدعوة لإسقاط النظام الذي يحرم الشعب من حقوقه جميعا…
  7. كان الحراك في بدايته يطالب النظام بأن يصلح الحال ويعمل لرد الحقوق وإلغاء الاستبداد. وتغول السلطة وهيمنة حزب البعث (كواجهة). والعصبة العائلية والممتدة طائفيا على الدولة والمجتمع واقعيا… وكان هذا في بدايات الربيع.. حيث اعتمد النظام على مسارين الأول محاولة امتصاص الحراك الشعبي عبر وعود بالإصلاح. وعبر لقاءات بين رأس النظام واجهزة الحكم مع الناشطين ووعدهم بالعمل على الاستجابة لمطالبهم بعد تحويلها من مطالب شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية. عبر عنها بمطلب الدولة الديمقراطية المحققة للحرية والعدالة والكرامة والتقدم. واصر النظام على أن المسألة هي فساد يعالج وأمور خدمية ستلبى وهنا حصل الافتراق بين الشعب والنظام…

8.اعتمد النظام بشكل مباشر على انه يجب انهاء الربيع السوري وبأي وسيلة. لأن استمرار الحراك الشعبي يعني إنهاء حكم العصبة وامتدادها العائلي الطائفي. لذلك بدأ يعتمد أكثر فأكثر على اعتقال الناشطين وتوسع ليشمل حاضنتهم الاجتماعية. وبشكل ممنهج وعبر حملات تطال المدن او القرى او الاحياء وتصل الاعتقالات احيانا للمئات في كل حملة. ولسان حال النظام يجب ايقاف التظاهر. بصفته معبرا عن الربيع السوري ومطالب الناس العادلة..

  1. استمر الشعب بالتظاهر مع تجذير مطالبهم وخاصة بعد حملات الاعتقال. وبداية سقوط الشهداء و فشل الحوار مع السلطة.وعدم قبول الناشطين والناس بالإذعان وموت الربيع السوري وانتقال النظام لاستعمال السلاح لمواجهة التظاهر وسقوط الشهداء في سوريا كلها. وانتقال النظام لطور عنفي اقسى ابتداء من الشهر السادس للحراك الشعبي ورفع السقف وطالب الشعب بإسقاط النظام. ونزل الشعب للشارع في كل سوريا بالملايين وظهر ان هناك قطيعة بين الشعب والنظام. فالنظام استوحش واستعمل السلاح بالمباشر وحدثت مجازر والشعب قرر عدم التنازل عن إسقاط النظام وبناء دولته الديمقراطية…
  2. انتشر الشعب في الشارع وملأوا الساحات وانتقلوا لمرحلة الاعتصامات وأصبحت المظاهرات متواصلة زمانا ومكانا. حيث انتقل النظام ليصنع مجازر جماعية بحق المتظاهرين سواء بالسلاح المباشر. او عبر المتفجرات بالسيارات المفخخة. وبدأ الشباب الناشط يبحث عن الحل لمواجهة عنف النظام المتصاعد. وبدأ الدم السوري ينزف وقوائم الشهداء تتزايد…
  3. تراجعت اندفاعة التظاهر عند الناس بعد موجة العنف المسلح للنظام والتي غطاها بأن هناك إرهابيين واتهامهم بقتل المتظاهرين. وأنه مضطر للتعامل معهم لحماية الشعب السوري. هنا بدأ ناشطو الحراك بالتفكير جديا بالتحول جزئيا للعمل العسكري لحماية المتظاهرين. والربيع الذي أصبح ثورة سورية ضد النظام لإسقاطه ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية..
  4. لم يكن انتقال الناشطين من التظاهر السلمي للعمل المسلح سهلا. كان بداية ذي طابع فردي ولم يكن هناك إجماع عليه فبعض الثوار أصرّ على التظاهر السلمي. وأن لا نعطي النظام ذريعة بأن يلجأ للعنف العاري ويقتل الشعب. سقط خيار الثورة السلمية أمام بطش النظام مع المتظاهرين السلميين. وقرارة بإنهاء الثورة بأي ثمن ولو قتل كل الناس. وأصبحت فكرة العسكرة للثورة أمرا واقعا. حتى لا يتم اعادة الشعب عبيدا عند النظام والدولة مزرعته الخاصة…
  5. انتقل عمل الثوار من الفردي الى الجماعي ومن العشوائية الى مزيد من التنظيم. وهذا نفسه ولد مشاكل بحاجة لحلول.زفالعمل العسكري يتطلب ضوابط وهو ليس لعبة واستباحة الدم ليس أمرا سهلا. لذلك كان هناك قرارا ضمنيا أن السلاح لحماية الشعب والمتظاهرين ورد عدوان النظام.. ودخلنا في سلسلة الفعل ورد الفعل. حيث أصرّ النظام على التصعيد فهذا ملعبه (العنف العاري وامتلاكه ادواته). فعنده أكثر من مليون مقاتل بين أمن وجيش وسلاح مجهز لمقاتلة العدو الصهيوني كما يدعي النظام….
  6. غطى النظام عنفه بحق الشعب والثورة. بأنها عمل إرهابي يقصد سوريا ودولتها المقاومة والممانعة. وانهم إرهابيين ومتطرفين… واعتمد على حلفاء معادين للشعب السوري بدء من روسيا وإيران وعراق المالكي وحزب الله . وأمّن الغطاء الدولي بفيتو روسي صيني دائم لمنع أي قرار بحقه واستمرار إمداده بالسلاح والعتاد والمال والرجال في معركته ضد الشعب السوري…
  7. بينما بقيت الثورة السورية يتيمة خاصة في بدايتها . إمدادها فردي من الثوار أنفسهم و حاضنتهم الاجتماعية وامتدادهم الأهلي والمساندين الشعبيين من الخارج. وبدأت تدخل بعض الأطراف المانحة كقطر والسعودية ولكن بشكل مقنن ومحدد ومحدد وغير نوعي (بقرار اسرائيلي دولي) بمنع مضاد الطيران والدروع عن الثوار. (بدعوى الخوف من وقوعه بيد الارهابيين ويوجه لغير الهدف المطلوب). حيث عنى هذا على الأرض أن يحصل صراع مسلح بين النظام والثوار وأن يستمر. وان لا ينتصر أي طرف .وان يستمر استنزاف الدم والمال السوري. وتدمر سوريا وضرب بنيتها التحتية والاهلية وتعود للخلف عشرات السنين. وان يزداد الحقد الطائفي وينعكس مجتمعيا بمزيد من القتل وفقدان وضوح الرؤية ومعالم المستقبل.. كل ذلك أسميناه العامل (الاسرائيلي) في الثورة السورية…
  8. ونتج عن الفردية والعشوائية وتعدد مصادر الإمداد. للبعد العسكري للثورة لتظهر كحالات منفصلة ومختلفة الاجندات وغير متوافقة على آلية العمل، المشترك الوحيد بينهم إسقاط النظام، حيث فتح هذا مجالا لاستدعاء كل من يتحرك ضد امريكا او لنصرة الشعب السوري وخاصة من الجهاديين الإسلاميين كالقاعدة والنصرة وغيرهم. وساعد هذه المجموعات وجود أغلبها في العراق الذي لم يحل مشكلته ويتوافق ديمقراطيا بعد . وأن هذه المجموعات قدمت الى شبابنا الثائر السلاح والعتاد والمال اللازم لمواجهة النظام… وكان شبابنا معذورا في الوقت الذي وقفت كل الأطراف دوليا وإقليميا وداعمين يتفرجون على إفناء الشعب السوري. ولم يكن شبابنا يملكون ترف السؤال عن هوية من يدعمهم أو أجندته. والمشكلة مازالت قائمة للآن .وتتوالد تبعات مختلفة. بدء من الرفض الدولي. وحتى عدم التوافق مع بقية الثوار وأدوار مختلف عليها على الأرض…
  9. دخلت الثورة السورية في حالة إدارة الأزمة وليس حلها من قبل الدول الداعمة دوليا للنظام أو الثورة السورية واعطى هذا نتائج مباشرة على ثورتنا وشعبنا.وأصبحنا مطالبين أن ننتقل من مرحلة العمل الفردي العشوائي المندفع للعمل المنظم المدروس والجماعي. وصار لزاما أن يكون للثورة واجهتها السياسية التي دخلت في مخاضات عدة سواء من الداعمين وخلق الولاءات على حساب الثورة أو عدم فرز الثورة لقادة حقيقيين ومعبرين ميدانيا عنها سياسيا وعسكريا. أو وجود انتهازيين وجدوا الثورة فرصة للتسلق وتحقيق مصالح خاصة وضيقة. وكل ذلك بصمت من الداعمين. للقول بأنه لا يوجد ممثلين للثورة السورية. وهم غير متوافقين وغير جدييّن وبلا اجندة واحدة..

حصل كل ذلك لتبرير عدم المساعدة الجدية وترك الحالة تتفاعل على الأرض  بمزيد من قتل الشعب وتدمير سوريا…

  1. دخلت الثورة في مخاضات تشكيل المجلس الوطني وبعد ذلك الائتلاف وثم توسعته. كل ذلك لصناعة واجهة سياسية تعبر عن الشعب والثورة. وهو مطلب صحيح وان ذلك حقق غطاء من أصدقاء الشعب السوري. واعترف به كممثل للشعب وثورته .وهذا ايضا مطلوب. ولكن مطلوب ايضا ان يتجاوز الشللية والاستقطابات الداخليه كمجموعات أو الخارجية كولاء لأجندات المانحين. وان يعبر فعلا عن ارادة الشعب والثورة عبر توحد المواقف وتعبيرها عن مطالبهم وتوسعه ليشمل كل الثوار والسياسيين المعبرين عن الشعب وثورته وإلا فقد مشروعيته وصار مطلوب إسقاطه وهي مهمة أهمها صعوبة التوفيق بين أطراف الثورة من سياسيين وناشطين وثوار متنوعين. وعدم الاصطدام المباشر مع الداعمين والتقاط نبض الشعب وتمثيله والعمل له… كل ذلك مطلوب ويجب ان نكون بقدر المسؤولية…
  2. كذلك لدينا واقع ثورتنا العسكرية على الأرض فهي مشتتة. بحكم التكوين واختلاف الخلفيات الفكرية. واختلاف الداعمين. وعدم وجود أجندة واحدة مطلوبة في مواجهة نظام موحد بالعمل العسكري والسياسي والتنظيمي بدء من روسيا لاخر مخبر على الارض عبورا بإيران وحزب الله وعراق المالكي.. مطلوب منا توحيد العمل العسكري ميدانيا (كحد ادنى). مطلوب توحيد الدعم والخطة والعمل على الأرض لتحقيق الهدف بإسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية وأن التوحيد السياسي والعسكري شرط لازم لانتصار الثورة…
  3. ولدينا ايضا مشكلة ان بعض المجموعات المسلحة في الثورة.تحمل أجندة ما فوق وطنية. كمحاربة امريكا او بناء دولة إسلامية وفق رؤية خاصة. هناك البعض الذي لا يحمل رؤية واضحة ويكتفي بإسقاط النظام كهدف مركزي.. والبعض يحمل اجندة الثورة بحدها الادنى اسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية… مطلوب أن يلتقي الثوار .برعاية سياسية من الائتلاف والاتفاق على ميثاق شرف تتوحد بموجبه البندقية ضد النظام وتوحد الاستراتيجيات والخطط وتحييد المدنيين وتحرم الدماء لغير المقاتل.. وان تتوافق على حد أدنى مطلق بين الثوار: اسقاط النظام وترك مستقبل سوريا للشعب السوري بعد ذلك يصنع ما يريد بدولته. وان يشكلوا وحدة متكاملة وأن يكونوا القوة الضامنة للثورة و الرادعة لأي خطأ أو انحراف. والراعية للحلول و ان تطلب الامر يجب يجب ان نخرج السلاح من الفوضى مطلقا…
  4. ولدينا ايضا مشكلة الأراضي المحررة وإدارتها ومتابعة شؤونها الحياتية كاملة وإملاء الفراغ بواقع الثورة. وان نتجاوز الفلتان والتصرفات الفردية والغير مسؤولة. وأن نتصرف على أن نجاح ثورتنا يبدأ من نجاحنا في إدارة مناطقنا المحررة. وهذه مسؤولية الحكومة المشكلة حديثا وامتحان لها وللثورة أمام الشعب.. ونحن ايضا امام مشكلة المشردين داخلا وخارجا وهم بالملايين.ووالعمل لتأمين لقمة عيش لهم وفرص عمل وإيواء وعلم وكل شؤون الحياة. بالتعاون مع كل من يدعي انه مع الشعب السوري. حتى نسقط النظام ويعودوا جميعا للبلاد ونبدأ مرحلة الاعمار..
  5. نحن الآن أمام استحقاق استمرار الصراع مع النظام الذي وصل لمرحلة ضرب الشعب بالكيماوي .وتبين أن النظام العالمي معني بتدمير الكيماوي وغير معني بقتل الشعب السوري وتدمير البلد وأن معركتنا مستمرة وصراعنا طويل ومرير. ولذلك علينا التوحد عسكريا وسياسيا. بحيث نمتلك موقفا موحدا لثورتنا. سواء بالحرب او السلم وهو اسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية مع عدم التنازل من خلال إعادة  إنتاج للنظام عبر بعد رموزة السابقين وتحت اي دعوى او مبرر او من خلال العمل على التفتيت المجتمعي عبر مقولة التمثيل التحاصصي لسوريا .الممتلئة بالأطياف الاثنية والدينية والطائفية والمجتمعية. وندخل في محنة لبنان والعراق وتحاصص يدمر الدولة والمجتمع …لا تنازل عن الدولة الوطنية الديمقراطية  ..لكل الشعب المتساوين ديمقراطيا وبالدستور كمواطنين ..
  6. أمامنا استحقاقات سياسية جنيف وغيره .وعسكرية في استمرار الصراع مع النظام لإسقاطه ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية….هذا شعبنا وهذه ثورته للآن…

20.9.2013…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى