وضع نظام أسد في ظل تعقيدات وتشابكات ملفات أخرى لا يمكن القفز من فوقه، فهذه التعقيدات والتشابكات لعبت دوراً في جعل ملف الصراع السوري أقل أهميةً، وذلك لخطورتها على الأمن والسلم الدوليين.
وكي نتلمس حضور الخارج في الملف السوري، وتعقيدات ظروف هذا الخارج، وأثر ذلك على الوضع السوري، ينبغي أن نتلمس حضور القوتين الخارجيتين (إيران وروسيا) لصالح نظام أسد، ووضع هاتين القوتين في المرحلة الحالية، وهي مرحلة اشتداد الصراع بين كل واحدة منهما والمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد اعترف قاسم سليماني قبل مقتله بغارة في مطار بغداد، أن نظام أسد كان سيسقط تحت ضربات قوى الثورة السورية، لولا تدخل إيران عبر أذرعها المختلفة مثل تدخل ميليشيات حزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية الأفغانية وغير الأفغانية، ولكن سليماني لم يقل إنه ذهب إلى بوتين راجياً منه حماية نظام أسد من السقوط الوشيك، رغم وجود ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وتوابعها من ميليشيات شيعية في مشهد الصراع السوري.
التدخل الروسي في الصراع بين قوى الثورة ونظام أسد في الربع الأخير من عام 2015 منع نظام أسد من السقوط، وأخّر عملياً الانتقال السياسي بموجب القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وكذلك بيان جنيف1، ولكنه لم يستطع إعادة تأهيل هذا النظام بالصورة التي أرادها الروس.
ظروف تدخل إيران وروسيا في الصراع السوري لم تبق على حالها، فالإيرانيون وقعوا تحت الضغط الأمريكي الأوربي من أجل عقد اتفاق تلتزم فيه إيران بسلمية برنامجها النووي، لكنها فعلياً لم تلتزم بهذا الاتفاق، إلى جانب تطويرها لبرنامجها الصاروخي، وهو ما دفع إدارة الرئيس دونالد ترامب على تمزيق الاتفاق الذي تمّ توقيعه في عهد باراك أوباما.
الإيرانيون مارسوا أقصى درجات التسويف ووضع الشروط لتمرير زمنٍ يحتاجونه من أجل صنع قنبلتهم الذرية الأولى، وهو ما جعلهم بمواجهة مخاوف الدولة العبرية (إسرائيل)، والتي يصرّ قادتها على ضرورة نزع برنامج إيران النووي بشقه العسكري، رغم أن الأميركيين في عهد بايدن ومن قبله أوباما يرفضون استخدام القوة لتدمير برنامج إيران النووي إلا كخيار أخير.
الإيرانيون الذين يلعبون لصالح نجاح الروس في حربهم ضد أوكرانيا، ينظرون إلى هذا النجاح على أنه تغيير في قواعد التوازن الدولي، الذي لا يزال حتى اللحظة يميل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها حلفها الأوربي.
لهذا السبب الجوهري، عمد الإيرانيون على تزويد روسيا بطائرات بلا طيار لكسب الحرب، لكنهم في ذات الوقت، أثاروا حنق الغرب، وحنق إسرائيل، فهم يمدّون في زمن هذه الحرب العدوانية، اعتقاداً منهم أن عدم هزيمة روسيا فيها ستنعكس ضعفاً في الموقف الأمريكي والأوربي، الذي يدعم أوكرانيا للدفاع عن نفسها، ومنع وقوعها فريسة بيد الروس.
موقف إيران هذا جعلها مشاركة في الحرب إلى جانب الروس، وهو أمرٌ سيرتّب عليها مسؤوليات ليست قليلة، مما سيجعل الغرب يعيد حساباته بمسالة التحاق إيران بمفاوضات جادة بشأن ملفها النووي، ويضع أوراق ضرباته العسكرية ضد منشآت إيران النووية قيد التفعيل، وهذا ما تريده الدولة العبرية، التي قام وزير خارجيتها بزيارة للعاصمة الأوكرانية، وهذا يعني تدخلاً اسرائيلياً في الحرب الأوكرانية من موقع التحالف مع الغرب الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.
إن حدثاً طبيعياً (الزلزال الذي ضرب تركيا والشمال السوري)، والذي حاول نظام أسد استثماره سياسياً لفك عزلته الدولية، ولمحاولة خلاصه من عقوبات قانوني قيصر والكبتاغون، وجد من يهرول لاستعادة هذا النظام من قبضة إيران توهماً، ناسين أمراً مهماً أن أسد بنظامه الغارق بجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات كبرى ترقى لجرائم حرب مثل استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد السوريين العزّل لا يستطيع الفكاك عن إيران التي استولت على نفوذه الداخلي، بما فيها مؤسسته العسكرية والأمنية.
وإن النظام الذي أراد إعادة ترتيب وضعه عربياً، كان يريد الخلاص من أي التزامات تخص القرارات الدولية الخاصة بسورية وهي بيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254.
وهو أراد تصوير ما ألحقه من دمار في المدن السورية على أنه نتاج فعل زلزال تركيا والشمال السوري، وهذا ما دفع قادة في الكونغرس الأمريكي على صياغة قرار جديد يمنع تطبيع العلاقات مع نظام أسد.
إن من يقرأ لوحة الفعالية السياسية والعسكرية الداخلية في سورية، سيكتشف بالضرورة أن نظام أسد ليس صاحب قرار بالشأن السوري، وهذا يجب أن تعمل عليه قوى الثورة والمعارضة السورية، ويجب القيام بحملة واسعة لتوضيح أن من يتحكم بالعملية السلمية ليس النظام بل حليفاه الروسي والإيراني.
هذه الحقيقة يجب إدراجها في قرار مواجهة إيران في مناطق نفوذها، كذلك على مستوى ساحتها الداخلية التي تشهد انتفاضة ضد حكم الملالي.
إن موقف إيران إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا سيجعلها مستهدفة من الولايات المتحدة واسرائيل والغرب، وهذا يعني إعادة انتاج موقف الغرب من الساحات السورية والإيرانية والأوكرانية، هذا الموقف لا يجب المراهنة فيه على استمالة نظام لا يملك من أمره شيئاً حيال إخراج إيران من بلاده، فالأسد يعرف أنه إن فكّر بهذه الطريقة فقتلته يحيطون به وسط حراساته، لذلك لن يتجرأ على قبول المبادرة العربية التي جوهرها فكاكه عن المهيمن عليه (إيران).
كذلك إن الروس المشغولين بحربهم في أوكرانيا لن يستطيعوا فعل ما ينقذ نظام أسد من انهياره الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لذلك لا يمكن لبعض ممثلي أنظمة عربية ممن أتى إلى دمشق أن يخرج زير النظام من بئره، وهذا ما يجب أن تدركه قوى وتجمعات السوريين الأمريكيين، من أجل العمل عليه بصورة جامعة، فلا يجب أن يكون خطابهم متعدداً، إنما يجب أن يكون خطاباً واحداً يدعو إلى تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بسورية، وتضييق الخناق على أي محاولة للالتفاف على هذه القرارات، ومنها محاسبة نظام أسد على جرائمه الموثّقة.
إن الذهاب إلى حلٍ في سوريا، يجب ان يرتكز على حقائق وليس افتراضات وهمية، وكما يقول المثل العربي (وضعوا ذيل الكلب أعواماً في قالب مستقيم لكنه بقي أعوج)
فأسد لا يمكن بعد كل جرائمه وفظاعاته بحق السوريين وشعوب المنطقة أن يتخلى عن جوهره الدموي وتجارته القاتلة التي سنّ الكونغرس الأمريكي قانوناً بشأن تدميرها وتفكيك شبكاتها واقتياد زعماء عصاباتها إلى المحاكم الدولية لمحاسبتهم على جرائمهم الدولية والوطنية.
المصدر: نينار برس