شنّ أمين عام حزب الله حسن نصر الله، مساء الاثنين، هجوماً مباشراً على “حزب القوات اللبنانية” ورئيسه سمير جعجع، مفنداً محطات تاريخية وحاضرة للتأكيد أن “برنامج القوات الحقيقي في لبنان شنّ حرب أهلية، لأنها ستؤدي إلى تغييرات ديموغرافية تحشر المسيحيين في منطقة معينة لإقامة كانتون مسيحي”.
واستعرض نصر الله فائض القوّة لديه، معلناً أنّ “الهيكل العسكري في “حزب الله” وحده، وبرجاله اللبنانيين المدربين والمنظمين والمهيكلين والمسلحين، يبلغ مئة ألف مقاتل، من دون احتساب الجمهور والحلفاء والأنصار والمؤيدين، وغيرهم”.
وفتح نصر الله جزءاً من أوراقه للردّ على إحدى الجلسات الداخلية لـ”القوات”، التي كشف أمين عام حزب الله مضمونها، بحيث “حاول جعجع تحريض الحلفاء القدامى السابقين على شنّ مواجهة عسكرية مع حزب الله، من منطلق أن القوات اليوم أقوى مما كانت عليه في زمن بشير الجميل (رئيس لبنان المنتخب الذي اغتيل قبيل تسلمه منصبه بشكل رسمي عام 1982) ولديها 15 ألف مقاتل، في المقابل، حزب الله أضعف مما كانت عليه منظمة التحرير الفلسطينية في زمن بشير الجميل، وأن الحزب ضعيف اليوم إقليمياً، بيد أن التجاوب لم يحصل مع جعجع”.
وتوجّه نصر الله إلى جعجع و”القوات” بالقول: “لا تخطئوا الحساب، قعدوا عاقلين وتأدّبوا وخذوا العبرة من حروبكم وحروبنا”، مطالباً الدولة واللبنانيين بالوقوف بوجه “هذا السفاح والمجرم من أجل منع الحرب الأهلية”، موضحاً بشكل استباقي أن عرض عدد المقاتلين لمنع حرب أهلية وليس للتهديد بالحرب. علماً أن مطلعين سياسيين في لبنان اعتبروا كلام نصر الله اليوم “هدية مجانية لجعجع قبيل الانتخابات النيابية، فالرئاسية”.
كما نصح نصر الله القوات ورئيسها بالـ”التخلي عن فكرة الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية، سواء كان لخدمته شخصياً أو لخدمة الخارج، فنحن لسنا أضعف من منظمة التحرير، واليوم أقوى من أي وقتٍ مضى”.
وأكد نصر الله، في كلمة مساء الاثنين خصّصها للحديث عن أحداث الطيونة – بيروت الخميس الماضي، أن “أكبر تهديد للوجود والأمن المسيحي في لبنان هو جعجع والقوات وحلفاؤه الإقليميون والدوليون”، عازياً ذلك إلى ماضي الحزب “من جرائم طاولت المجتمع المسيحي، قتلاً واغتيالاً لسياسيين ورجال دين وسيطرة وتفرّد وديكتاتورية وتهجير ومجازر”.
واتهم “القوات” بارتكاب مجزرة الطيونة في بيروت، مشيراً إلى أن جعجع ومسؤوليه في الحزب تبنّوا العملية “وهم منتشون بالإنجاز” عند الحديث عن “ميني 7 أيار مسيحي”، مؤكداً أن ما حصل الخميس مفصلي ويؤسس لمرحلة جديدة في الشأن السياسي الداخلي.
وشدد أمين عام حزب الله على أن “مشروع القوات خلق عدو وهمي للمسيحيين، هو حزب الله، عبر التجني والكذب والافتراء والتعبئة الدائمة، ومحاولة إشعار أهل عين الرمانة والحدث وفرن الشباك ومناطق أخرى أن جيرانهم، خصوصاً في الضاحية، أعداء لهم، وأنهم يريدون اجتياح مناطقهم والسيطرة على أحيائهم وأملاكهم، وأنهم يسعون لاقتلاعهم وقتلهم، ولذلك يبقونهم في حالٍ من الخوف والهلع والقلق والتأهب للمواجهة، بذريعة الدفاع عن مناطقهم من الاجتياح وعن كرامتهم ووجودهم”.
وأشار أمين عام “حزب الله” إلى أن “جعجع يقدم نفسه وحزبه كحملة الراية والمدافعين عن الوجود المسيحي والمقاومة المسيحية وحفظة الدماء والأعراض، وعمل تحت هذا العنوان لشد العصب والاستقطاب والتعبئة والتحريض، بهدف تحقيق أهداف لها علاقة بالزعامة والحضور، وبما يعرضه من أدوار في لبنان ليقاتل حزب الله كنوع من البازار والتجارة على جهات دولية وإقليمية لها مشاريع ومصالح في الداخل اللبناني، وبالتالي، هنا يصبح المسيحيون المادة التي سيعمل بها لزعامة شخص وهيمنة حزب وخدمة مشاريع خارجية”.
واتهم نصر الله “القوات” بـ”عرض خدماته عام 2017 أمام الوزير السعودي الأسبق ثامر السبهان للدخول في حرب أهلية في لبنان، وغدر بحليفه سعد الحريري عندما كان موقوفاً في المملكة، كما تحالف مع (داعش) و(النصرة) ومجموعات أخرى وموّلهم بالمال والسلاح، كذلك وقف بوجه الاتفاق الذي حصل بين التيار الوطني الحر وحزب الله”.
وجاهر نصر الله بأنه المدافع عن المسيحيين في لبنان وسورية بعكس جعجع، من دون أن ينسى تكرار الإشادة بمواقف حليفه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية يوم مقاطعة جلسات البرلمان لفرض ميشال عون رئيساً، وهي إشادة ترجمها مناصرو “المردة” بتبنٍ صريحٍ لترشيحه لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية عون العام المقبل.
ونصر الله، الذي كرّر رسائله السابقة حول المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار ومكرراً اتهامه بالاستنسابية والتسييس، توجه إلى دولة القانون والمؤسسات بالقول: “تصرفوا وتحملوا المسؤولية، فالوقت انتهى وحان وقت المعالجة”.
وعاد نصر الله، الذي لوح بالفتنة والتصعيد السياسي في خطابه المسائي الشهير قبيل أحداث الخميس، ليشدد على أن التظاهر كان سلميا، من دون أن ينفي حصول استفزازات وشعارات اعتبرها خاطئة، ولكن “بعد ذلك بدأ إطلاق النار وسقط شهداء”، ويكشف عن أن “الأجهزة الأمنية أبلغتنا أن الشهداء قتلوا برصاص حزب القوات اللبنانية، وبعد إطلاق النار على التظاهرة وسقوط شهداء، عمد شباب إلى جلب السلاح لرد المعتدين”، علماً أنّ التحقيقات يفترض أن تبقى سرية، كما أن البيانات الرسمية لم تذكر بعد أحداث كهذه، حتى إن وزير العدل أكد أن ما حصل ليس كميناً، عدا عن رواية الجيش اللبناني التي تغيّرت بعدما كانت لوحت بداية بحصول كمين.
وبينما يعمل حزب الله على محاربة تحقيقات القاضي البيطار، ولم ينسَ الهجوم اليوم على الجسم القضائي، محملاً القضاة المسؤولية الأكبر في التفجير، دعا نصر الله إلى “إجراء تحقيق سريع وجاد بأحداث الطيونة ومحاسبة المسؤولين”، وهو ما عرّضه لهجوم استباقي بأنه لن يقبل بأي تحقيق ما لم يصبّ مضمونه لصالح الحزب، و”إلا سيعتبره مسيساً ومعدّاً لاستهدافه”.
وبالتزامن مع إطلالة نصر الله، شهدت منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، إطلاق نار كثيف أدى إلى تسجيل أضرار مادية.
من جهة ثانية، وفي وقتٍ حرص فيه رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع على تركيز هجومه على نصر الله محاولاً التبرير لرئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث هناك تقاطع مصالح بين الرجلين، منوهاً بدوره في رأب الصدع، وبعدما كانت حركة “أمل” اتهمت “القوات” بالاسم في أحداث الطيونة؛ أتى بيان “حركة أمل” اليوم ليتوقف عند “الجريمة التي ارتكبتها العصابات المسلحة والمنظمة بحق متظاهرين عزل أبرياء”، من دون أن يأتي على ذكر القوات.
وقال البيان إن “ما جرى كان استفاد مفتعلوه من الأزمة التي أوجدها الأداء الكيدي والاستنسابي والانتقائي والمواقف المتذبذبة وازدواجية المعايير، وما أقدم عليه القاضي البيطار، الذي يمعن في إشعال فتائل التوتير في عناوين الاحتدام السياسي”.
المصدر: العربي الجديد