خطفت التطورات الجنوبية التي تنذر بتصعيد خطير على الحدود بين حزب الله وإسرائيل الأضواء عن الملف الحكومي، وكادت تغطّي على ذكرى انفجار مرفأ بيروت وما تخللها من تظاهرة وطنية ضخمة ضد المنظومة الحاكمة المتورّطة بإهمالها وتقصيرها وتغطيتها على تخزين نيترات الأمونيوم في المرفأ لمدة 7 سنوات.
وإذا كان البعض لم يفصل بين إطلاق الصواريخ من الجنوب وإحياء ذكرى التفجير لصرف الانتباه عنها ولاسيما بعد تصاعد الاتهامات ضد حزب الله بمسؤوليته عن تخزين النيترات واستخدامها بالشراكة بينه وبين النظام السوري، إلا أن القراءات حول الوضع في الجنوب تباينت بين قائل إنها مجرّد تبادل رسائل بين إسرائيل وحزب الله من دون رغبة في تصعيد الوضع للوصول إلى حرب على غرار حرب تموز/يوليو 2006 بدليل أن إسرائيل استهدفت بغاراتها الجوية وقصفها المدفعي مناطق مفتوحة غير مأهولة، وأن حزب الله ردّ بصواريخه على مناطق مفتوحة غير مأهولة، وبين قائل إن إسرائيل تتحيّن الفرصة لتغيير ليس فقط قواعد الاشتباك في الجنوب بل تعديل مهمة قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل» عشية التمديد لها في نهاية آب/اغسطس لجهة توسيع صلاحيات هذه القوات الدولية لتطبيق فعلي للقرار 1701 وعدم السماح لحزب الله بتخزين الصواريخ في المنطقة الحدودية.
لكن أكثر ما استرعى الانتباه في ظل هذه القراءات هو الاشكالات التي تعدّد وقوعها بين حزب الله ومواطنين لبنانيين من مختلف الطوائف خصوصاً في بلدة شويا الدرزية بعد عشائر عرب خلدة السنّة وعين الرمانة المسيحية. وتؤشر هذه الاشكالات إلى حال الاحتقان لدى تلك الطوائف من استقواء حزب الله بسلاحه واعتبار مناطقهم أرضاً سائبة وتهديده علاقات لبنان بالدول العربية والصديقة وتسبّبه بالحصار الاقتصادي والمالي المفروض على البلد ما أدى إلى أزمات اجتماعية وحياتية ومعيشية لم يسبق لها مثيل. ويدرك حزب الله على الأرجح هذا المعطى لكنه يصرّ على أن يكون جزءاً من الاشتباك الإيراني الإسرائيلي والاستمرار بمصادرة قرار الحرب والسلم، في غياب الدولة اللبنانية التي لم يتحرّر قرارها بعد على الرغم من الدعوات المتكررة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لرئيس الجمهورية ميشال عون إلى تحرير الشرعية.
وفي انتقاد صريح لأداء الرئيس اللبناني، استغرب كثيرون كيف لم يجد الرئيس عون ضرورة لدعوة المجلس الأعلى للدفاع بعد تحويل الجنوب منصّة إقليمية لإطلاق الصواريخ على دفعتين وتنفيذ العدو الإسرائيلي غارات وقصفاً مدفعياً، وكأن مهمة المجلس الأعلى للدفاع ليست لبحث موضوع نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت ولا لبحث مسألة إطلاق الصواريخ من الجنوب أو الاشكالات التي تقع في خلدة وشويا وعاليه وحارة صيدا بل لبحث موضوع كورونا وليكون هذا المجلس أشبه بحكومة ظل لا تقدّم ولا تؤخّر.
وفي السياق عينه، يتساءل البعض عن دور الجيش اللبناني في بسط سلطة الدولة على أراضيها وإذا كان يقتصر فقط على بعض المناطق غير الخاضعة لسلطة حزب الله. وضمن الأسئلة التي طُرحت ماذا فعل الجيش براجمة الصواريخ التي تسلّمها من أهالي بلدة شويا؟ وماذا فعل بعناصر حزب الله الأربعة الذين أوقفهم أهالي شويا؟ فإذا أبقى الجيش على توقيف عناصر الحزب وأبقى على مصادرته راجمة الصواريخ يمكن أن يشكّل الأمر تغييراً إيجابياً في أداء المؤسسة العسكرية يُبنى عليه لتوسيع بيكاره، وليلغي الاعتقاد السائد بأن الجيش لا يفرض هيبته إلا ضد المؤمنين أصلاً بالدولة في زوق مصبح وجل الديب وبعض المناطق. أما أذا أقدم الجيش على الإفراج عن الراجمة وعناصر الحزب رغم الانتهاك للقرار الدولي 1701 وهو ما حصل ليلة الجمعة فهذا يعني أنه ما زال يعتمد نظرية الأمن بالتراضي والأمن الانتقائي، وقد يدفع ببعض الدول المانحة ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة النظر بمساعداتها العسكرية للجيش، كما سيُحرج اليونيفيل المولجة حفظ الأمن على الحدود ومؤازرة الجيش اللبناني على فرض الاستقرار.
وفي ضوء سلوك قيادة الجيش الحالي والمستقبلي، يتحدّد مصير المعادلة الثلاثية «جيش وشعب ومقاومة» التي وردت في أكثر من بيان وزاري قبل أن تُستبدل بصياغات لغوية تدور في فلكها. وبما أن الجيش لم يميّز نفسه ولم يعتمد مع مسلحي حزب الله نهجاً صارماً، تبقى المعادلة الثلاثية قائمة على ركيزتين فقط هما الجيش والمقاومة، لأن الشعب اللبناني باستثناء قلّة من المنتفعين من حزب الله بات ناقماً على زجّ لبنان بالحروب. لكن الحزب رغم إدراكه هذا الأمر وبأن جمهوره لن يجد حضناً كما حصل عام 2006 ما زال يغامر بإشعال جبهة الجنوب بعد ثورة 17 تشرين الأول/اكتوبر وذكرى 4 آب/اغسطس والانهيار التام للبنان. والسؤال المطروح في حال إقدام حزب الله على أي مغامرة هو هل يتحمّل الحزب نتائج أي خراب؟ ومَن سيعيد إعمار قرى وبلدات الجنوب والضاحية الجنوبية في حال حصول عدوان إسرائيلي؟ وهل سيضيف حزب الله مأساة جديدة على مآسي اللبنانيين أشدّ إيلاماً أم أنه سيعتمد معادلة «الصبر والبصيرة» ولا ينزلق ولا يوقع لبنان في فخ الصراعات الإقليمية والدولية.
المصدر: »القدس العربي»