ارتفعت مساعي طهران لترميم علاقتها مع محيطها الخليجي مع وصول حسن روحاني للرئاسة وتولي ظريف الإدارة الدبلوماسية
مع انطلاق عمل الإدارة الأميركية الجديدة، وما يمكن أن تحمله من متغيرات على صعيد السياسة على الساحة الدولية عامة، ومنطقة الشرق الأوسط خاصة، بدأ النظام الإيراني محاولات تفكيك الألغام التي سبق أن زرعها في حقول علاقاته العربية والإقليمية.
وزاد من تعقيد خريطتها، الحصار الذي فرضه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي أجبر طهران على كل أوراقها بهدف التخفيف من هذا الحصار الخانق وغير المسبوق، وما أدى إليه ذلك من استنفار كل الهواجس والمخاوف العربية، الخليجية تحديداً من الأطماع والطموحات الإيرانية التي تسعى للإمساك بقرار الإقليم على حساب دور وموقع دول عربية كبيرة وأساسية في هذه المنطقة، وذات ثقل ووزن لا يقل عن أي من مثيلاتها التي تدعي أنها أصبحت بحجم لاعب إقليمي قادر على فرض سياساته واستراتيجياته على الآخرين.
تدرك طهران والقيادة الإيرانية أن السياسات التي انتهجتها تجاه الدول العربية الخليجية، رفعت منسوب الحساسية لدى هذه الدول من أي طرح أو مشروع يصدر عن طهران هدفه تحسين العلاقات والحد من التوتر القائم بين الطرفين، بخاصة أن الجانب الإيراني لم يتردد في رفع مستوى تهديداته لهذه الدول كلما ارتفعت حدة التوتر بينه وبين الإدارة الأميركية، والتي وصلت إلى أوجها مع رئاسة ترمب.
وتعتبر طهران هذه الدول شريكة في سياسات ترمب، ووسعت دائرة تهديدها في الرد على أي اعتداء عسكري أميركي ضدها بحيث وضعت هذه الدول على خريطة الأهداف التي لا تقتصر على القواعد الأميركية، بل تطاول البنى التحتية والاقتصادية فيها.
ما دفع هذه الدول في المقابل، للذهاب إلى خيار تعميق تحالفاتها مع الولايات المتحدة من بوابة التوافق على ضرورة الحفاظ على سلامة إمدادات وأمن الطاقة على الأقل، والتصدي للطموحات الإيرانية التي تريد العبث في أمن واستقرار دول المنطقة من خلال دعم جماعات تابعة أو مؤيدة لها للتأثير في المعادلات الإقليمية لصالح مشروع المحور الذي تقوده.
وقدّم وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف مطالعة مطوّلة في لقائه مع صحيفة “اعتماد” يوم السبت الفائت في 23 من الشهر الجاري، وعززها بمقالة في مجلة “فورن بوليسي” الأميركية، حول الرغبة الإيرانية والجهود التي بذلها من أجل ترطيب العلاقة مع السعودية وإعادة إحياء العلاقات بينهما وفتح حوارات من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة للتعاون والتنسيق حول أمن منطقة الخليج واستقرارها ومضيق هرمز بعيداً من التأثيرات الأميركية.
على مدى العقود الماضية، ولعله منذ انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية، كان موقف المجموعة العربية الذي عبّرت عنه السعودية واضحاً في شروط أي حوار عربي- إيراني ناجح أو مثمر، ويمكن اختصاره بمعادلة أساسية تقوم على وقف التدخلات الإيرانية في دول المنطقة، والحد من تهديداتها لهذه الدول واحترام سيادتها مقابل بناء علاقة متوازنة وإقامة تفاهمات تسع كل هواجس وطموحات دول المنطقة وتساعد على تعزيز الأمن والاستقرار والاحترام المتبادل بعيداً من لغة التهديد والتدخل.
المساعي الإيرانية لترميم علاقتها مع محيطها العربي بخاصة الخليجي وتحديداً السعودية، ارتفعت وتيرتها مع وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية وتولي ظريف الإدارة الدبلوماسية، التي وجدت نفسها في مواجهة تراكم من التخريب مارسه الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد على مدى ثماني سنوات، إلا أن جدار الثقة التي كانت الرياض قد بدأت في بنائه مع طهران خلال عهدي الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، بات من الصعب العودة إلى سياقاته بعد اتساع دائرة التدخلات الإيرانية في المنطقة العلنية أمنياً وعسكرياً وسياسياً، بحيث تجاوزت التدخل المباشر في بعض الساحات بل تعدته إلى تهديد استقرار وأمن ساحات أخرى.
روحاني الذي وصل إلى الرئاسة الإيرانية عام 2013 على وقع مفاوضات سرية مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، اعتقد أن من ضرورات تعزيز أي تفاهم أو اتفاق مع الولايات المتحدة تمر عبر تخفيف التوتر والتفاهم مع المحيط الإقليمي بخاصة العربي، من أجل أن تكون المفاوضات النووية التي انتهت إلى توقيع الاتفاق عام 2015 أكثر ثباتاً وإنتاجية.
من هنا ذهب مبكراً إلى تقديم مشروع لعقد معاهدة مع الدول الخليجية تقوم على مبدأ بناء “منطقة قوية” بمشاركة الجميع وتتولى هذه الدول مسؤولية أمن إمدادات الطاقة وسلامتها بالاعتماد على الإمكانات الذاتية وتوظيف القدرات الإيرانية والاستغناء عن القوى الخارجية الأميركية أو تلك التابعة لحلف الناتو.
وهذه الرؤية الإيرانية، عاد وزير الخارجية ظريف لتطويرها في عهد الرئيس ترمب بعد قراره الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة إلى سياسات فرض العقوبات المشددة والخانقة وغير المسبوقة، فجاءت محاولة ظريف تارة عبر طرح “أمن هرمز” بعد تصاعد التهديدات العسكرية التي وصلت إلى حافة التفجير والانزلاق إلى حرب مباشرة.
وتارة أخرى عبر الدعوة إلى عقد معاهدة تعاون وعدم اعتداء إقليمي لمواجهة التهديدات الخارجية، في وقت كان بعض العواصم العربية مثل بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت تشهد مستويات عالية ومتقدمة من التدخل والنفوذ الإيراني المباشر أو عبر حلفائه في هذه الدول، وفي وقت تم استهداف عمق الاقتصاد السعودي في منشآت أرامكو النفطية.
عودة ظريف للحديث عن استعداد بلاده لإحياء طرحها حول “التعاون الإقليمي” يعتمد على منطلقات لا تبعث رسائل إيجابية للدول التي يسعى للتعاون معها، وعلى الرغم من الإيجابية السعودية على لسان وزير الخارجية فيصل بن فرحان الأخيرة حول اليد السعودية الممدودة للحوار مع طهران، إلا أن نظيره الإيراني ظريف ما زال يراهن على الذهاب إلى حوار لا يفرض عليه تقديم تنازلات في الملفات التي تشكل مصادر قلق عربية، بخاصة ما يتعلق بالنفوذ الإقليمي.
إضافة إلى الرهان على حصول تغييرات إيجابية لصالحه مع الإدارة الأميركية الجديدة قد تسمح له العودة إلى المعادلة التي أنتجتها إدارة أوباما قبل ثماني خمس سنوات عندما أطلقت يد إيران في المنقطة كجائزة مقابل توقيع الاتفاق النووي.
وهذه المعادلة قد لا تشكل عامل تسهيل للوصول إلى حوارات مجدية وحقيقة ما لم يعمد الطرفان إلى تدوير الزوايا بينهما والبحث عن مساحات مشتركة وتقديم تنازلات تضمن الربح للجميع بما يعزز استقرار المنطقة وسيادة دولها والحد من التدخل في شؤونها الداخلية.
المصدر: اندبندنت عربية