يُخطئ من يعتقد أن سنة 2021 التي صارت على الأبواب ستشهد انخفاضاً في مستوى المواجهة بين المحور العربي ومحور إيران الذي يراهن أكثر على التغيير الآتي في واشنطن بعد تسلّم الرئيس المنتخب جو بايدن سلطاته الدستورية كرئيس للولايات المتحدة في العشرين من كانون الثاني (يناير المقبل)، حيث ترى القيادة الإيرانية بمختلف أجنحتها أنه يمكن الرهان على ضغط “الأوبامية” – نسبة إلى باراك أوباما – التي سوف يكون لها حضور بارز في إدارة الرئيس الأميركي الجديد المقبلة، خصوصاً أن العديد من المتابعين لمسار التعيينات الجديدة سيراقبون عن كثب الأسماء التي سوف يدخلها بايدن في الإدارة على مختلف المستويات، وما إذا صحّت التقديرات عن احتمال طغيان الوجوه “الأوبامية”، لا سيما في وزارتي الخارجية والدفاع، وإدارة “وكالة الاستخبارات المركزية”، بما يريح الرهان الإيراني، وذلك بالرغم من كل الضجيج والأصوات العالية النبرة الصادرة عن القيادة من أعلى الهرم بأن طهران لا تراهن على بايدن في ما يتعلق بأزمتها المستمرة مع الولايات المتحدة.
طهران تتحدث اليوم بخطابين، الأول الذي يعبّر عنه المرشد الأعلى علي خامنئي المتمسك بالخطاب التقليدي لـ”الثورة ” والمواقف المتصلبة، والثاني يعبّر عنه الرئيس حسن روحاني الذي لا ينفك يطلق مواقف باردة وحارة في الوقت نفسه وتوقعات بالنسبة الى سياسة الأميركيين تجاه إيران مع وصول بايدن، حيث يصرّح مرة بأنه لا يراهن على الرئيس الجديد لافتراقه عن السياسة القاسية التي اتّبعها الرئيس دونالد ترامب، ومرة أخرى يبعث توقعات متفائلة بأن الولايات المتحدة ستعود الى الاتفاق النووي مع إيران كما كانت الحال قبل ترامب.
في الحالتين من توقعات روحاني، ثمة ملامح من القلق الإيراني النابعة أولاً من السياسة التي اتّبعها الرئيس ترامب طوال الأعوام الأربعة الماضية، والتي قصمت ظهر إيران اقتصادياً، كما كسرت هيبتها على أصعدة عدة، أهمها الهيبة الأمنية والعسكرية، وهي سياسة قد تستمر مع بايدن ليس حباً أو اقتناعاً بترامب، بل لأن سياسة الرئيس المنتهية ولايته حققت نتائج إيجابية بالنسبة الى قدرة الردع الأميركية، وأعادت لواشنطن هيبة كانت قد افتقدتها في مرحلة الرئيس الأسبق باراك أوباما، حتى صارت إيران، وهي مصدر القلق الدائم، أشبه بالملاكم الذي يتلقى كل الضربات ولا يجرؤ على توجيه لكمة مُعتبرة واحدة الى الخصم.
فبين تصفية قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني أهم شخصية عسكرية وأمنية في إيران، وهو المسؤول عن السياسات التوسعية والعدوانية الإيرانية في المنطقة، وتصفية محسن فخري زاده المُعتبر “أبا القنبلة النووية الإيرانية” في طهران نفسها، إضافة الى توجيه أميركا وإسرائيل عشرات الضربات العسكرية والأمنية في الأراضي الإيرانية، والعراقية والسورية، من دون أن ننسى تضييق الخناق الاقتصادي على كل الصعد. قد تجد إدارة الرئيس جو بايدن أن بين أيديها أوراقاً يتركها لها ترامب تستفيد منها لإعادة طهران الى طاولة المفاوضات الجدية، ليس على قاعدة العودة السهلة الى الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، بل للتفاوض على إدخال تعديلات باتت أكثر من ضرورية، أقله لجهة السقوف الزمنية للاتفاق، إضافة الى فتح مفاوضات من موقع القوة حول برنامج الصواريخ البالستية الدقيقة التي تهدد كل المنطقة والانتشار الأميركي فيها، وصولاً الى وضع ما يسميه الأوروبيون “النفوذ الإيراني” في المنطقة، على مشرحة التفاوض، نظراً الى تهديدها حلفاء واشنطن، الذين قد ينتفضون على أي إدارة أميركية تتساهل مع تهديد إيران لكياناتهم، وذلك على النحو الذي حصل خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
ولعل انطلاق قطار “التطبيع ” بين دول عربية رئيسية وإسرائيل، وإمكان تمدّده الى دول عربية وإسلامية كبرى في المدى القريب، يفيد بأن مواجهة إيران صارت واقعاً، للحد من تمددها في المنطقة، وتهديدها لدول عربية وإسلامية محيطة بها صارت أولوية، وأن تحالفات إقليمية ستتوسع، وتزداد رسوخاً للوقوف بوجه الحالة العدوانية التي تمثلها الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي ترى دول المنطقة أنه ما عاد في الإمكان الاعتماد على تقلبات سياسات الإدارة الأميركية المتعاقبة، بل صار من الضروري أن تكون للدول المعنية بالتهديد الإيراني سياسات مبادرة.
في انتظار التغيير في واشنطن، يدرك العرب أن المرحلة المقبلة هي لمواجهة الخطر الإيراني، وأن كل الوسائل يجب أن تكون متاحة للحد من هذا التهديد، بدءاً من العراق، الى سوريا ولبنان وغزة وصولاً الى اليمن، لا سيما أن العدو لا يفهم سوى بموازين القوى، والدليل على ما نقول تشير اليه طريقة تعامل إيران مع سيل “الإهانات” العسكرية والأمنية التي تنزلها بها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على مدار الساعة!
المصدر: النهار العربي