من لم يدرك بعد أن ما يسمى النظام الدولي، ما هو إلا تسمية تخفيفية للهيمنة الرأسمالية الأميركية – الصهيونية على العالم، فإنه يحتاج إلى تعميق فهمه للواقع العالمي.
في ما يتعلق بالبلاد العربية، فما يهمه هو أمن الكيان الصهيوني وتفوقه على جميع العرب، فهو قاعدته المتقدمة وذراعه الطويلة للردع والمنع والقمع.
وفي لبنان، فإن النظام الدولي هو الذي يحمي السلطة اللبنانية الفاسدة والمجرمة، وهي تستقوي به على الشعب اللبناني، والنظام العالمي هو الذي أدخل حزب إيران شريكا أساسيا في السلطة اللبنانية، وهو الذي يحمي نفوذه وسيطرته، وهو الذي فوضه الدخول إلى سوريا، والقتال فيها ضد الشعب السوري، بحجة الإرهاب والمؤامرة الكونية، مثلما فوض النظام السوري سابقا الدخول الى لبنان سنة 1976، والسيطرة عليه، وتخريب بنيته الآجتماعية والسكانية طيلة ثلاثة عقود.
النظام العالمي، لا يعنيه لو مات الشعب اللبناني كله، أو تدمرت كل مدنه، وليس فقط بيروت، إن ما يهمه هو القبول بالتخلي عن البحر اللبناني لدولة إسرائيل، تحت شعار ترسيم الحدود؛ لتأخذ النفط والغاز رسميا، بعد أن أخذت مياه الحاصباني والوزاني في الجنوب اللبناني. وما يهمه أيضاً، هو ضمان أمن “إسرائيل”، وحماية حدودها الشمالية مع لبنان، إضافة إلى ترتيب الأمور السكانية والديموغرافية، بما يتلاءم مع مشروع إحكام الهيمنة على المنطقة، وتصفية حقوق شعب فلسطين وقضيته الوطنية التحررية الإنسانية.
وكل من يؤمن له هذا، فهو حبيبه وصديقه وخليله في السرّ أو في العلن، وليخطب بعد ذلك كما يشاء، حتى لو أسقط النظام العالمي كله بالخطب الرنانة والشعارات الطنانة والتهديدات الفنانة.
فإذا كان حزب إيران مستعدا لهذا، فعلى الرحب به والسعة، وطالما أن هذا الحزب الذي يهدد لبنان بالحرب الأهلية مقابل المس بإمتيازاته، لا يعنيه أيضا لبنان، إذ هو – كما يصرح ويؤكد – جزء من الجمهورية الإسلامية لدولة ولاية الفقيه، فما المانع أن يكون هو هذا الطرف، الذي لا يهمه سوى نجاح المشروع الإيراني في المنطقة العربية، وإمتداد نفوذه وسيطرته عليها.
إن قرار المحكمة الدولية بخصوص إغتيال رفيق الحريري، ليس إلا إعلانا صريحا عن تسوية بين النظام الدولي وإيران، وما أعلن أمس، ليس إلا إستحمارا لعقول الناس، بقدر ما هو الحديث عن المقاومة والممانعة، في الوقت الذي ينحر سلاحها رقاب أبناء العراق وسوريا الأحرار.
يستطيعون بما يملكون من إعلام عالمي هائل تزوير الوقائع، لتزييف وعي الناس وإغفال عقولها عن إدراك الحقائق، إمعانا في إطالة أمد سيطرتهم جميعا على بلادنا، وهو ما لن يبقى ولن يطول، مهما تكالبت علينا الأمم وتقاعست عن واجباتها قوانا.
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أداة بيد النظام الدولي إياه، يستخدمها لخدمة أغراضه الإستعمارية الحقيرة وليس لبيان أيّ حقيقة، أما قتل رفيق الحريري بالطريقة التي حصلت فيحتاج إلى دول وأجهزة وإمكانيات ضخمة، يكفيك أجهزة تعطيل الإتصالات الفضائية والأرضية والتي استخدمت قبيل تفجير الموكب، وهي أجهزة عالية التقنية باهظة الثمن.
ثم تقول المحكمة لنا أن فردا واحدا نفذ وفجر وقتل، غباء من المحكمة ومن يشرف عليها ويوجهها، وليس غباء من أي طرف آخر، وحينما تقبل عقولهم مثل هذه الوضاعة في التفكير والتبرير فإنما يدل هذا على حجم المأزق الموضوعي، الذي يعيشه ذلك النظام وليس أحد سواه.
لن تكون المحكمة الدولية أحسن حالا من مؤسسة جائزة نوبل، التي يعرف الجميع أنها متصهينة، ولا تُمنح جائزة إلا لمن كان في إطار توجهاتها السياسية والثقافية.
قبل خمسة وخمسين سنة، إغتال مسلح وسط حشود جماهيرية كبيرة، رئيس الولايات المتحدة العظمى جون كينيدي، في وضح النهار، ولا يزال التحقيق جاريا، ولم يعرف القاتل بعد.
أما رفيق الحريري، فلعل المحكمة رحمته، فلم تقل أنه إنتحر، أو كما قالت “النكتة الطازجة” أنه مات بالكورونا.
الحمد لله، أنها لم تتهم طرابلس اللبنانية بتدبير الإغتيال، فتتخذه ذريعة إضافية لإتهامها بالتطرف الديني.
يقول بدري ابو كلبشة: قبضنا على القتيل والقاتل فرّ. ها هي المحكمة الدولية، قبضت على المقتول، في حين فرّ القاتل، وسيبقى البحث جارياً عن الأشباح.
المصدر: المدار نت