فيما تستمر حكومة عادل عبد المهدي المقالة بقرار من شارع الثورة في مسلسل تصريف الأعمال الحكومية منذ بداية ديسمبر 2019، يستمر رئيس الجمهورية برهم صالح في مسلسل تكليف شخصيات متتالية لتشكيل حكومة جديدة واحدا بعد آخر، دون أن يصل المسلسل الى حلقته النهائية.
تتكرر مشاهد المسلسلين منذ ستة شهور في نفس الاستوديو، في نفس الديكور، وبنفس الأداء والرتابة، حتى أصيب المتفرجون بالسأم والضجر، ودفعهم الى الرفض، والانفضاض عن المسرح منذ مدة غير قصيرة. ولكن الممثلين رغم ذلك يواصلون عروضهم المملة بدون متفرجين، لا سيما وأن الكتلة الكبرى المحتشدة في ساحات الاعتصام تواصل احتجاجاتها الشديدة الرافضة لاستمرار الطريقة التي تدار بها العملية السياسية منذ سبعة عشر عاما، على مبدأ المحاصصة الطائفية، وتقاسم الأحزاب للحقائب الوزارية والادارية، وتطالب بالتغيير الجذري.
فشل المرشح الأول محمد توفيق العلاوي في نيل بركة الأحزاب والكتل التي تسيطر على الاكثرية البرلمانية فاعتذر وانسحب. ثم تكرر المشهد من البداية الى النهاية. ثم تكرر وتكررت النتيجة، ففشل عدنان الزرفي، لنفس الأسباب، وخاصة غياب التوافق بين أقطاب المكون الشيعي على كليهما، فأحدهما موال لإيران، والثاني موال للاميركيين.
وها هو التكليف الثالث يرسو على مصطفى الكاظمي، رئيس جهاز الاستخبارات الذي يبدو ولاؤه غير محسوم الى أحد الطرفين الدوليين. إلا أن حزب الله – العراقي اتهم الكاظمي قبل اسبوعين فقط بالعمل لحساب الاستخبارات الاميركية، والضلوع في مؤامرة اغتيال قاسم سليماني وابو مهدي المهندس في مطلع العام. ولكنه رغم ذلك حصل على تأييد سريع، وشبه جماعي، من كافة المكونات الشيعية والسنية والكردية، ومن غالبية الكتل البرلمانية، وهو ما يمهد له سبل النجاح ويضمن تجاوز العقبات السابقة.
فما الذي حصل؟ وما هي الجهة التي أصدرت كلمة السر للمكونات والكتل التي يستحيل أن تتفق بدون عصا سحرية؟!
العارفون بأسرار اللعبة السياسية في العراق يحيلون السائلين الى البحث عن السر الذي جعل الجميع متمسكين بحكومة عبد المهدي، الى حد أنهم يريدون أن تواصل حكومته ممارسة السلطة بحجة عدم التوافق على مكلف جديد وتحت اسم (حكومة تصريف الاعمال) الى نهاية الدورة بدعم من طهران! وهي لعبة ابتكرها الإيرانيون ليبقى عبد المهدي على رأس حكومة أرضت جميع شركاء العملية السياسية، ولبت مطالب الجميع، وأعطت كل حزب ما يريده من المغانم والمكاسب. وأن الكاظمي الذي يعرف أسرار القسمة وتوزيع الحصص بحكم موقعه رئيسا لجهاز الاستخبارات، قد تعهد بمجرد تكليفه بتكرار القسمة، وتلبية مطالب رؤساء الكتل والأحزاب. أي إعادة استنساخ حكومة عبد المهدي منذ سنوات بأسماء جديدة!
وحسب مواقع إعلامية عراقية فإن تحالف (سائرون برئاسة مقتدى الصدر) سيحصل على منصبي محافظ بغداد، ومحافظ المصرف المركزي، ووزارة الصحة التي تضاعفت أهميتها بسبب الجائحة، إضافة للحصول على عدة وزارات سيادية.
و(تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم) الذي حرمه عبد المهدي من أي حصة في حكومته سيعوض في الحكومة المنتظرة بوزارات الخارجية والنفط والكهرباء.
أما (ائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي) سيحصل رئيسه منصب نائب رئيس الحكومة ووزارتي العمل والشؤون الاجتماعية.
وسيحصل (تحالف الفتح) الذي يضم غالبية فصائل الحشد الشعبي سيحصل على وزارات الداخلية والثقافة والاتصالات.
كما إن (دولة القانون برئاسة نوري المالكي) سيحصل على منصب نائب رئيس الجمهورية ووزارتي التعليم والاسكان.
أما المكون السني فسيحتفظ بوزارة الدفاع والنائب الثاني لرئيس الحكومة. وأما المكون الكردي فسيحتفظ بمواقعه السابقة وخاصة وزارة المالية.
الاعلان السريع عن دعم المكونات الثلاث للكاظمي بمثابة ” شيفرة ” لا يفهمها غير أقطاب اللعبة السياسية، ولا معنى لها سوى الاتفاق على تقاسم الحصص والحقائب. وهذا الاتفاق إيذان بعودة النخب السياسية والطائفية الى تكرار المحاصصات والصفقات التي تكرس نظام الفساد وتبادل المنافع على حساب الشعب، وتوفر الحصانة للشركاء على حساب الوحدة الوطنية، والكفاءة، وقوة القانون ووظائف الدولة. وكأن العراق لم يشهد ثورات شعبية عارمة طوال ثمانية شهور حتى الآن، قدمت أكثر من ألف شهيد، ومائتي ألف جريح ثمنا للتخلص من هذا النظام الذي نخر الدولة، ودشن القواعد الثابتة لحكم اللصوص، ولكن دون جدوى. فتواصل العرض المسرحي الهزيل على حاله دون تغيير يعكس تمسك هذه النخب بمصالحها وأطماعها دون اكتراث بصوت الشارع الغاضب، وانتشار الفقر والجوع في بلد يمتلك ثروات طائلة وهائلة، ولكنها تنهب وتسرق بأيدي مجاميع قوية من اللصوص.
هذا البؤس السياسي والاجتماعي يؤسس في نظر المحللين لمرحلة جديدة من الاحتجاجات تنتظر نهاية أزمة كورونا لتعود الى الشارع بقوة وعنف وزخم أكبر مما شهده العراق في الشهور السابقة، وفي الأعوام الفائتة. وتصل التقديرات الى حد التنبؤ بانزلاق العراق الى ساحة الاقتتال والاحتراب الاهلي بين المكونات الثلاث، من ناحية، وبين كتل المكون الواحد، وخصوصا المكون الشيعي، المسؤول الأبرز عن النظام القائم منذ 2003 من ناحية ثانية.
المصدر: الشراع