لطالما كان التركيز على السعي لتمديد النفوذ الإيراني إلى داخل منطقة الشرق الأوسط، لكن هناك سعياً آخر تحاول طهران مد نفوذها إليه، ويتمثل بالقارة الأفريقية.
حاولت إيران أن تمد أفكارها الخاصة بالمستضعفين والفقراء والضعفاء لبناء علاقات مع دول إما تتبنى سياسات وأيدولوجيات مناهضة للغرب على غرار دول أميركا اللاتينية، أو دول فقيرة تعاني كدول أفريقيا، وبدأت سياسة إيران تجاه أفريقيا في زمن الرئيس الأسبق أحمدي نجاد الذي وصفها بعلاقات الجنوب بالجنوب، اليوم، وفى ظل سياسة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي القائمة على الاتجاه شرقاً بالتركيز على دول الجوار العربي لإيران ودول وسط آسيا عل عكس سياسة حسن روحاني التي اعتمدت على إعادة العلاقات مع الغرب فقط، نجد أن إيران في عهد رئيسي، اليوم، تحاول إعادة إحياء علاقتها بدول أفريقية وإحياء استراتيجية نجاد الأفريقية.
إحياء استراتيجية إيران
وبدايات إحياء استراتيجية إيران تجاه أفريقيا عبّر عنها الرئيس الإيراني، في لقاء مع سفير توغو الجديد في طهران بقوله إن الغرب سعى لاستغلال واستعمار أفريقيا عبر التاريخ، وما زالوا يسعون وراء مصالحهم هناك في الوقت الحاضر، كما ندّد بالأهداف والمصالح التي يسعى إليها الغرب في أفريقيا، معرباً عن دعم إيران لاستقلال الدول الأفريقية وتنميتها ورفاهيتها. ووصف خطط إقامة وتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية بأنها أولوية في السياسة الخارجية الإيرانية. وقال إن إيران تسعى إلى تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية، بما في ذلك توغو، في مختلف المجالات.
وتحاول إيران توظيف أفكارها الثورية الخاصة بالمستضعفين والاستعمار والشعوب المقهورة لنسج علاقات مع دول أفريقية لتعبر عن قدرتها على توسيع ما تعتبره محور “المقاومة”، وبينما تنوي إيران توسيع نفوذها في أفريقيا، فإنها تعمل على توطيد علاقاتها التجارية والعسكرية والبحرية مع بعض الدول الأفريقية، وفى الأغلب، تحاول أن تتوسع على حساب أي وجود للمصالح العربية والسعودية والتركية والإسرائيلية في أفريقيا.
ولطالما كانت جنوب أفريقيا حجر الزاوية في استراتيجية إيران في ما بين بلدان الجنوب، والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية ودول أميركا الجنوبية، وتهدف الاستراتيجية بين الجنوب والجنوب التي روج لها الرئيس أحمدي نجاد بقوة، إلى تعزيز العلاقات التجارية والثقافية، وقد كانت إيران من أوائل الدول التي استأنفت التجارة مع جنوب أفريقيا بعد انتهاء الفصل العنصري، ويتمتع البلدان بعلاقات قوية منذ ذلك الحين، وكانت التجارة جزءاً لا يتجزأ من هذه العلاقة، وحاولت طهران تعويم علاقتها على اعتبار أنها تعزيز لنفوذها على الرغم من الصعوبات الاقتصادية والاضطرابات الداخلية.
نفوذ جزئي في أفريقيا
وبنت إيران نفوذاً جزئياً في أفريقيا من خلال العلاقات الدبلوماسية والسياسية والأمنية المتكررة والتبادلات البحرية والتجارية والثقافية، وكانت سياستها تجاه القارة مدفوعة بالمصالح والتطلعات لتصدير رؤيتها الثورية للعالم، لكن سياسة إيران كانت أيضاً، استجابة للحاجة إلى محاربة العقوبات والعزلة، بناء شراكات مع الجهات الحكومية ودون الحكومية وغير الحكومية في القارة، فحرصت على تعزيز جهود توسيع النفوذ في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة على دول الساحل في شمال أفريقيا ولا ينفصل عن ذلك وجودها في البحر الأحمر ومنطقة باب المندب والقرن الأفريقي، في مواجهة الوجود الأميركي والإسرائيلي، وطورت جزئياً نشر غواصات تقوم بدوريات في البحر الأحمر ووسعت علاقاتها العسكرية مع دول غرب أفريقيا.
وسعت إيران إلى زيادة نفوذها في دول معينة في أفريقيا من خلال أنشطة مثل بيع الأسلحة وتدريب المقاتلين على القتال في الشرق الأوسط وتمويل الجماعات الشيعية، وقد صدر تقرير عن معهد الشرق الأوسط في 2018 اعتبر أن إيران وجّهت “حزب الله” لزيادة تدريبه للنيجيريين لأملها في استخدام نيجيريا كقاعدة عمليات لشن هجمات وإحباط الطموحات الإسرائيلية والغربية في المنطقة.
تدريس المذهب الشيعي
أما على مستوى العلاقات الثقافية في القارة الأفريقية، فقامت إيران بتأسيس المراكز الشيعية، فضلاً عن تدريس المذهب الشيعي في بعض الجامعات، مثل دولة السنغال، حيث يدرس فرع من فروع جامعة “المصطفى” الإيرانية، المذهب الشيعي، والثقافة والتاريخ الإيرانيين والعلوم الإسلامية، بالإضافة للغة الفارسية، ويحصل الطلاب على طعام مجاني ومساعدات مالية.
وفي نيجيريا، ترعى المنظمة الإسلامية التي تجاهر بتبعيتها وتأثرها بأفكار المرشد الإيراني، وتنشر المعتقدات الشيعية عبر صحيفة “الميزان” التي تصدر بلغة “الهوسا”، شبكة كبيرة من المدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والاجتماعية شمال نيجيريا وجنوبها، وتوفير منح للشباب للدراسة في معاهد وجامعات إيران.
نقطة تحول
لقد كانت رئاسة محمود أحمدي نجاد نقطة تحول في انخراط إيران في القارة، والآن حيث تغيير الأولويات الجيوسياسية في عهد رئيسي، “لا يقتصر العالم على الغرب”، ستكون أفريقيا مرة أخرى محورية في السياسة الخارجية لإيران، أي إن سياسة إيران الخارجية حولت انتباه طهران إلى أفريقيا في مواجهة العقوبات المعوقة والعزلة الدبلوماسية، فتعمل على جعل نفوذها يمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة.
المصدر: اندبندنت عربية