في ذكراها العاشرة.. كيف أفسد ثوار يناير ثورتهم؟

دعاء عبد اللطيف

ليلة 11 فبراير/شباط 2011، ثمة أمل نما في صدور من شاركوا في ثورة 25 يناير/كانون الثاني من نفس العام، لقد أطاحوا بالرجل الذي ظل جاثما فوق صدروهم 3 عقود، لكنهم أدركوا أن مع الأمل نمت أخطاء تحتاج لمعول عملاق كي يزيل آثار خطواتهم على طريق ظنوا أنه الصحيح.

وبعد 10 أعوام من الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، تبدو الأخطاء واضحة ومحددة الإطار أمام الجميع، سقطت فيها كل الأطراف عمدا أو لحداثة التجربة أو لنقاء السريرة، جعلت البعض يجتث أمل التغيير من صدره، وهناك آخرون فضّلوا العيش في حالة إنكار الخطيئة بل وذهبت فئة إلى إعادة تقييم الثورة نفسها وتحجيمها داخل دائرة الانتفاضة، وأمام ذلك هناك من اعترف بالسقطات ويتحين الفرصة لإعادة البناء.

ما هي الثورة؟

قد تبدو الإجابة عن هذا التساؤل مرشدا إلى غالبية الأخطاء التي وقعت فيها ثورة يناير، فإذا ما حددنا مفهوم الفعل بالتبعية سنفهم الناقص والزائد عليه.

بحسب تقرير للمعهد المصري للدراسات يحمل عنوان “الشعب المصري وتاريخ الثورات” فالثورة تعني التغيير الجذري لكل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يعني تفكيك التكوينات القديمة ثم إعادة تركيبها بعد إعادة التوازن المفقود لعلاقات التأثير المتبادل فيما بينها، بما يحقق ضمانات تداول السلطة، وإعادة توزيع الثروة.

وعلى ذلك، فالثورة لا تعني مجرد إطاحة حاكم أو نظام حُكم، ما لم تبزغ قوى جديدة حاملة لمبادئ الثورة، لتحل محل القديمة، وتقوم بعملية إعادة بناء هيكلية من شأنها تحقيق أهداف الثورة.

وبالنظر إلى ما جرى في ثورة يناير، لم يحدث تغيير جذري لأيٍ من المناحي التي ذكرها التقرير البحثي، حيث اعتبر الثوار بيان تنحي مبارك بمثابة إعلان نجاح ثورتهم رغم أنه لا يمثل سوى رأس النظام في حين ظلت الدولة العسكرية باقية تحكم.

كذلك لم تفكك الثورة التكوينات القديمة على جميع المستويات، وكل ما تم كان عبارة عن تغيير شكلي مؤقت تمثل في إجراء انتخابات برلمانية حصدت فيها التيارات الإسلامية الأغلبية، وبعد أشهر قليلة تم حل البرلمان تحت ذريعة قانونية، ثم أجريت انتخابات رئاسية فاز بها الرئيس محمد مرسي، وبعد عام واحد من حكمه جرى انقلاب عسكري أطاح به، وباقي ما جرى معلوم.

يدعم ذلك ما ذكره الناشط السياسي والروائي المصري علاء الأسواني، في مقاله “حتى لا نكرر أخطاء ثورة يناير” الذي أكد فيه أن الثوار أخطؤوا عندما قبلوا بالحلول الوسط التي أدت في النهاية إلى إضعاف ثورتهم وتشويهها، في حين أن الثورة بطبيعتها تغيير جذري يهدم النظام القديم ليبني نظاما جديدا، حسب قوله.

بالجملة

وفي نفس المقال عدد الأسواني أخطاء ارتكبها الثوار منها ترك الميادين مبكرا قبل إنجاز مهام الثورة، والاستماع إلى من أسماهم لاعبي خط الوسط.

وأوضح أن هؤلاء اللاعبين مجموعة من الشخصيات العامة متأرجحون دائما في مواقفهم بين دعم الثورة ومساندة النظام حتى يفوزوا في النهاية مع الطرف الفائز، واستطرد “لقد تسلل هؤلاء إلى الصفوف الأولى من ثورة يناير، وأدى وجودهم إلى مشاكل كبيرة دفع ثمنها الثوار”.

ومن أخطاء ثوار يناير -حسب الناشط السياسي- أنهم قاموا بإلغاء ائتلاف شباب الثورة ولم ينتخبوا قيادة لهم، مشددا على أن لا نصر لثورة بدون قيادة من الشباب المنتخبين يتحدثون باسمها ويستطيعون حشد الناس في الشارع إذا تعرضت للخطر.

إلى جانب ذلك، فلقد تعفف الثوار عن طلب السلطة فوقعت في أيدي قوى أخرى مضادة للثورة، وأردف الأسواني “إن التاريخ يعلمنا أن الثورة إذا لم تصل إلى السلطة فإنها تنتحر عمليا لأنها لن تصل إلى أهدافها أبدا بل وستتعرض غالبا إلى القمع”.

وأضاف أن أخطاء ثورة يناير استمرت بتقديس بعض الشخصيات واعتبارهم أيقونة، موضحا أن بعض الأيقونات انقلبوا على الثورة أو انحرفوا عن مبادئها فأصبحت أفعالهم السيئة محسوبة على الثورة، وتابع “حدث أكثر من مرة أن تعلق مصير الثورة بشخص اعتبرناه أيقونة، فإذا به يتردد ويخاف ويتراجع وقد دفعنا جميعا ثمن تخاذله”.

الخطايا السبع

وعطفا على ما رآه الأسواني من أخطاء الثورة، أشار تقادم الخطيب المسؤول السابق للاتصال السياسي بالجمعية الوطنية للتغيير -في مقال بعنوان “الخطايا السبع للمعارضة المصرية منذ ثورة يناير”- إلى عدة سقطات أخرى للثوار.

ومن ضمن السقطات الكبيرة الانتهازية التي اتسمت بها المعارضة باختلاف توجهاتها والهرولة لوراثة نظام مبارك وتقسيم الغنائم فيما بينها، وهو ما استغله المجلس العسكري لتعميق الانقسام السياسي وإشعال حرب بين الجميع.

ولفت الخطيب إلى خطأ عدم صياغة مشروع لما بعد مبارك يشعر الجميع بالمساهمة فيه، وهو ما أدى إلى تمركز القوى السياسية حول الأيديولوجيا كبديل لذلك المشروع، مما صنع خطيئة أخرى وهي عدم وجود خطاب يقنع الجماهير.

وعلى ذلك أصبحت المعارضة غير قادرة على تطوير أسلوب عملها والانتقال من الفعل الاحتجاجي كأساس وحيد لشكل المعارضة، وفق رؤية المسؤول بالجمعية الوطنية للتغيير، ضاربا مثلا بجماعة الإخوان التي لم تدرك حتى اللحظة أن صيغتها الحالية أصبحت عبئا على الدولة والمجتمع في آن واحد، ولا بد أن تحل نفسها وتتحول إلى حزب سياسي.

وأضاف أن من بين الأخطاء التحالف مع الدولة العميقة من أجل إزاحة الخصم السياسي، فمثلا لعبت جبهة الإنقاذ ذلك الدور ببراعة، ولم تمتلك مشروعا سياسيا سوى الإطاحة بالإخوان.

الإخوان

بفعل العدد والتاريخ والتأثير ظلت جماعة الإخوان هي الرقم الأهم في معادلة إخفاق مسار الثورة عن الوصول إلى أهدافه، وحتى الآن وبعد 10 سنوات مازالت تتلقى سهام الانتقاد من جانب صفوف الثوار وحتى من مؤيدي النظام الانقلابي.

ورغم أن شبابا وقادة من أعضائها شوهدوا بميدان التحرير والشوارع المحتجة في اليوم الأول للثورة، فإن التنظيم لم يعلن بشكل رسمي المشاركة في المظاهرات وهو ما دعا كثيرا من أطياف المعارضة لاتهام الجماعة بعد ذلك بسرقة الثورة.

ربما كان للجماعة حساباتها في عدم الإعلان عن المشاركة في المظاهرات التي لم تتضح معالمها بعد، لكن ظل هذا الموقف لدى باقي الثوار الذين حسموا موقفهم مبكرا من المشاركة وظلوا يعاملون الإخوان كعنصر دخيل سارق لمكتسبات الثورة، مثل حصولهم على الأغلبية البرلمانية عام 2012 ثم وصول مرشحهم (مرسي) إلى سدة الحكم.

بل ومع تصاعد الأحداث الدرامية للثورة وُضعت الجماعة جنبا إلى جنب مع العسكر في خانة الخيانة، وظهر الشعار الشهير “هم اتنين مالهمش (ليس لهم) أمان.. حكم العسكر والإخوان”.

ومع مرور السنوات أصبحت خطايا الإخوان واضحة تماما حتى لأعضاء التنظيم نفسه، فمثلا كتب القيادي جمال حشمت مقالا اعترف فيه بعدم وضوح الأوليات وغياب الأجندة الثورية لدى الجماعة بعد ترك ميدان التحرير، إلى جانب خطأ الدفع بمرشح إخواني لانتخابات الرئاسة.

واعتبر حشمت تعاون الإخوان مع حزب النور خطأ كبيرا ارتكبته الجماعة، واصفا إياهم بالمدعومين من الخارج والانتهازيين، كذلك رأى أن سياسة الحشد للرد على المناوئين مثلت خطورة كبيرة.

ومن الأخطاء أيضا التي ذكرها القيادي الإخواني تعامل أغلب قواعد التنظيم بعد الثورة باعتبار جماعتهم بديلا للحزب الوطني من حيث السلطة والنفوذ.

ومراجعة الإخوان لأخطائهم لم تتم بشكل فردي، ففي عام 2017 أصدر المكتب العام للجماعة بيانا يعترف فيه بارتكاب أخطاء أثناء الثورة وبعدها، لكن هذا المكتب يمثل فقط جناحا ثوريا داخل الجماعة، ولا يعبر عن رأي القيادة التاريخية المسيطرة على الجماعة.

ومما ذكره البيان من أخطاء: العمل على قضايا مرحلية بآليات المعارضة السياسية دون الاتفاق على ترتيب أولويات الثورة، فضلا عن عدم الجاهزية السياسية من جانبهم، وهو العيب الذي اشتركت فيه الجماعة مع باقي الثوار.

ومن أهم أخطاء الإخوان -وفق البيان- ضعف التصورات الفكرية تجاه الثورة، فرغم أن تلك التصورات كانت موجودة في فكر الإخوان الأصيل، لكنها استبعدت بعد المؤسس حسن البنا، حيث سار التنظيم على ذلك خلال فترة حكم مبارك حيث انتهج آلية اصلاحية صرفة لتلافي الصدام مع النظام.

كذلك تقديم التنظيميين على حساب رموز ثورية مبهرة مخافة حيدهم عن نهج الجماعة، وهو ما أدى إلى خسارة مساحة كبيرة كانت هذه الرموز قد اكتسبتها داخل الميدان، وبالتوازي مع هذا الخطأ كان غياب الانتباه لخطورة انفراد العسكر بوضع الأسس والأطر الحاكمة للمرحلة الانتقالية.

الاعتراف

الاعتراف بالخطأ يحتاج شجاعة أدبية لكن جميع الأطراف تتهم بعضها وتلقي بلائمة الفشل على الآخرين، وفق تقييم العضو ببرلمان 2012 عز الدين الكومي، لمشهد الثورة بعد 10 سنوات من اندلاعها.

وأوضح الكومي للجزيرة نت أن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه الثوار هو ترك الميادين، مضيفا أن الخطيئة الكبرى التي تسببت في كل الخبائث اللاحقة تمثلت في الموافقة على تكليف الجيش بإدارة شؤون البلاد بدلا من سلطة مؤقتة حتى تتم صياغة دستور وإقامة انتخابات نيابية ورئاسية.

وبالتوازي مع هذه الخطيئة سمحت قوى الثورة لأجهزة المخابرات بعمل اختراقات في صفوفها، مما ترتب عليه انشغالها بداخلها وترك المجلس العسكري يدير الأمور لصالحه، وفق قول الكومي.

وأضاف أن القوى الثورية في ذلك التوقيت لم تكن حددت بوصلتها بدقة سواء اتخاذ مسار ثوري للنهاية من أجل تطهير الأجهزة الفاسدة، أو مسار ديمقراطي.

والأخطاء استمرت بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز بها مرسي، حيث يقول البرلماني السابق إن القوى الثورية وضعت العراقيل أمام الرئيس المنتخب مثل احتشادها بميدان التحرير للمطالبة بمجلس رئاسي، ورفض مشاركته في إدارة الدولة حيث رفض أيمن نور رئيس حزب غد الثورة منصب رئيس الحكومة، كما رفض حمدين صباحي رئيس حزب الكرامة تولي منصب نائب الرئيس.

المصدر: الجزيرة. نت

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تحليل دقيق، انتصار الثورة المصرية فتح آفاق التغيير في كل المنطقة، وهزيمتها يدفع ثمنها ا لجميع وخاصة السوريين.

زر الذهاب إلى الأعلى